يقول تعالى لا يستوي المؤمنون والكافرون كما قال عز وجل " لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون " وقال تبارك وتعالى " أم حسب الذين اجترحوا السيئات " أي عملوها وكسبوها " أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم " أي نساويهم بهم في الدنيا والآخرة " ساء ما يحكمون " أي ساء ما ظنوا بنا وبعدلنا أن نساوي بين الأبرار والفجار في الدار الآخرة وفي هذه الدار قال الحافظ أبو يعلى حدثنا مؤمل بن إهاب حدثنا بكير بن عثمان التنوخي حدثنا الوضين بن عطاء عن يزيد بن مرثد الباجي عن أبي ذر رضي الله عنه قال: إن الله تعالى بنى دينه على أربعة أركان فمن صبر عليهن ولم يعمل بهن لقي الله من الفاسقين قيل وما هن يا أبا ذر؟ قال يسلم حلال الله لله وحرام الله لله وأمر الله لله ونهي الله لله لا يؤتمن عليهن إلا الله قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم " كما أنه لا يجتنى من الشوك العنب كذلك لا ينال الفجار منازل الأبرار " هذا حديث غريب من هذا الوجه وقد ذكر محمد بن إسحاق في كتاب السيرة أنهم وجدوا حجرا بمكة في أس الكعبة مكتوب عليه: تعملون السيئات وترجون الحسنات أجل كما يجنى من الشوك العنب. وقد روى الطبراني من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي الضحى عن مسروق أن تميما الداري قام ليلة حتى أصبح يردد هذه الآية " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات " ولهذا قال تعالى " ساء ما يحكمون " وقال عز وجل " وخلق الله السماوات والأرض بالحق " أي بالعدل " ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون " ثم قال جل وعلا " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه " أي إنما يأتمر بهواه فمهما رآه حسنا فعله ومهما رآه قبيحا تركه وهذا قد يستدل به على المعتزلة في قولهم بالتحسين والتقبيح العقليين وعن مالك فيما روي عنه من التفسير لا يهوى شيئا إلا عبده وقوله " وأضله الله على علم " يحتمل قولين " أحدهما " وأضله الله لعلمه أنه يستحق ذلك " والآخر " وأضله الله بعد بلوغ العلم إليه وقيام الحجة عليه والثاني يستلزم الأول ولا ينعكس " وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة " أي فلا يسمع ما ينفعه ولا يعي شيئا يهتدي به ولا يرى حجة يستضئ بها ولهذا قال تعالى " فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون " كقوله تعالى " من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون " وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون (24) وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين (25) قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون (26) يخبر تعالى عن قول الدهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد " وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا " أي ما ثم إلا هذه الدار يموت قوم ويعيش آخرون وما ثم معاد ولا قيامة وهذا يقوله مشركو العرب المنكرون المعاد وتقوله الفلاسفة الإلهيون منهم وهم ينكرون البداءة والرجعة وتقوله الفلاسفة الدهرية الدرية المنكرون للصانع المعتقدون أن في كل ستة وثلاثين ألف سنة يعود كل شئ إلى ما كان عليه وزعموا أن هذا قد تكرر مرات لا تتناهى فكابروا العقول وكذبوا المنقول ولهذا قالوا " وما يهلكنا إلا الدهر " قال الله تعالى " وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون " أي يتوهمون ويتخيلون. فأما الحديث الذي أخرجه صاحبا الصحيح وأبو داود والنسائي من رواية سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله
(١٦٢)