تعالى " والذين كفروا عما أنذروا معرضون " أي لاهون عما يراد بهم وقد أنزل الله تعالى إليهم كتابا وأرسل إليهم رسولا وهم معرضون عن ذلك كله أي وسيعلمون غب ذلك. ثم قال تعالى " قل " أي لهؤلاء المشركين العابدين مع الله غيره " أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض " أي أرشدوني إلى المكان الذي استقلوا بخلقه من الأرض " أم لهم شرك في السماوات " أي ولا شرك لهم في السماوات ولا في الأرض وما يملكون من قطمير إن الملك والتصرف كله إلا لله عز وجل فكيف تعبدون معه غيره وتشركون به؟ من أرشدكم إلى هذا؟ من دعاكم إليه؟ أهو أمركم به؟ أم هو شئ اقترحتموه من عند أنفسكم؟ ولهذا قال " ائتوني بكتاب من قبل هذا " أي هاتوا كتابا من كتب الله المنزلة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يأمركم بعبادة هذه الأصنام " أو أثارة من علم " أي دليل بين على هذا المسلك الذي سلكتموه " إن كنتم صادقين " أي لا دليل لكم لا نقليا ولا عقليا على ذلك ولهذا قرأ آخرون أو أثرة من علم أي أو علم صحيح تؤثرونه عن أحد ممن قبلكم كما قال مجاهد في قوله تعالى " أو أثارة من علم " أو أحد يأثر علما وقال العوفي عن ابن عباس أو بينة من الامر. وقال الإمام أحمد حدثنا يحيى عن سفيان عن صفوان بن سليم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سفيان لا أعلم إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أثرة من علم قال الخط. وقال أبو بكر بن عياش أو بقية من علم وقال الحسن البصري أو أثارة شئ يستخرجه فيثيره وقال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وأبو بكر ابن عياش أيضا أو أثارة من علم يعني الخط وقال قتادة أو أثارة من علم خاصة من علم وكل هذه الأقوال متقاربة وهي راجعة إلى ما قلناه وهو اختيار ابن جرير رحمه الله وأكرمه وأحسن مثواه. وقوله تبارك وتعالى " ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون " أي لا أضل ممن يدعو من دون الله أصناما ويطلب منها ما لا تستطيعه إلى يوم القيامة وهي غافلة عما يقول لا تسمع ولا تبصر ولا تبطش لأنها جماد حجارة صم، وقوله تبارك وتعالى " وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين " كقوله عز وجل " واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا * كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا " أي سيخونونهم أحوج ما يكونون إليهم وقال الخليل عليه الصلاة والسلام " إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ".
وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين (7) أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم (8) قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدرى ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين (9) يقول عز وجل مخبرا عن المشركين في كفرهم وعنادهم أنهم إذا تتلى عليهم آيات الله بينات أي في حال بيانها ووضوحها وجلائها يقولون هذا سحر مبين أي سحر واضح وقد كذبوا وافتروا وضلوا وكفروا " أم يقولون افتراه " يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم. قال الله عز وجل قل " إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا " أي لو كذبت عليه وزعمت أنه أرسلني وليس كذلك لعاقبني أشد العقوبة ولم يقدر أحد من أهل الأرض لا أنتم ولا غيركم أن يجيرني منه كقوله تبارك وتعالى " قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا * إلا بلاغا من الله ورسالاته " وقال تعالى " ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين " ولهذا قال سبحانه وتعالى ههنا " قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما