فسأله فتلا " وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه " هذا أثر غريب وفيه نكارة " إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " وقوله تعالى " قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله " أي ليصفحوا عنهم ويتحملوا الأذى منهم وكان هذا في ابتداء الاسلام أمروا أن يصبروا على أذى المشركين وأهل الكتاب ليكون ذلك كالتأليف لهم ثم لما أصروا علن العناد شرع الله للمؤمنين الجلاء والجهاد. هكذا روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة وقال مجاهد " لا يرجون أيام الله " لا ينالون نعم الله تعالى وقوله تبارك وتعالى " ليجزي قوما بما كانوا يكسبون " أي إذا صفحوا عنهم في الدنيا فإن الله عز وجل مجازيهم بأعمالهم السيئة في الآخرة ولهذا قال تعالى " من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون " أي تعودون إليه يوم القيامة فتعرضون بأعمالكم عليه فيجزيكم بأعمالكم خيرها وشرها والله سبحانه وتعالى أعلم ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين (16) وآتيناهم بينات من الامر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضى بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (17) ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون (18) إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم الياء بعض والله ولى المتقين (19) هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون (20) يذكر تعالى ما أنعم به على بني إسرائيل من إنزال الكتب عليهم وإرسال الرسل إليهم وجعله الملك فيه ولهذا قال تبارك وتعالى " ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات " أي من المآكل والمشارب " وفضلناهم على العالمين " أي في زمانهم " وآتيناهم بينات من الامر " أي حججا وبراهين وأدلة قاطعات فقامت عليهم الحجج ثم اختلفوا بعد ذلك من بعد قيام الحجة وإنما كان ذلك بغيا منهم على بعضهم بعضا " إن ربك " يا محمد " يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون " أي سيفصل بينهم بحكمه العدل وهذا فيه تحذير لهذه الأمة أن تسلك مسلكهم وأن تقصد منهجهم ولهذا قال جل وعلا " ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها " ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون أي اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين وقال جل جلاله ههنا " ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون * إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض " أي وماذا تغني عنهم ولايتهم لبعضهم بعضا فإنهم لا يزيدونهم إلا خسارا ودمارا وهلاكا " والله ولي المتقين " وهو تعالى يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات. ثم قال عز وجل " هذا بصائر للناس " يعني القرآن " وهدى ورحمة لقوم يوقنون " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون (21) وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون (22) أفرأيت من اتخذ إلاهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون (23)
(١٦١)