يقول تعالى مخبرا عن لطفه بخلقه في رزقه إياهم عن آخرهم لا ينسى أحدا منهم سواء في رزقه البر والفاجر كقوله عز وجل " وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين " ولها نظائر كثيرة وقوله جل وعلا " يرزق من يشاء " أي يوسع على من يشاء " وهو القوي العزيز " أي لا يعجزه شئ ثم قال عز وجل " من كان يريد حرث الآخرة " أي عمل الآخرة " نزد له في حرثه " أي نقويه ونعينه على ما هو بصدده ونكثر نماءه ونجزيه بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما يشاء الله " ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب " أي ومن كان إنما سعيه ليحصل له شئ من الدنيا وليس له إلى الآخرة هم البتة بالكلية حرمه الله الآخرة والدنيا إن شاء أعطاه منها وإن لم يشأ لم يحصل لا هذه ولا هذه. وفاز الساعي بهذه النية بالصفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة والدليل على هذا أن هذه الآية ههنا مقيدة بالآية التي في سبحان وهي قوله تبارك وتعالى " من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا * كلا نمد هؤلاء هؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا * أنظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ". وقال الثوري عن معمر عن أبي العالية عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر والتمكين في الأرض فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب " قوله جل وعلا " أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله " أي هم لا يتبعون ما شرع الله لك من الدين القويم بل يتبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس من تحريم ما حرموا عليهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وتحليل أكل الميتة والدم والقمار إلى نحو ذلك من الضلالات والجهالة الباطلة التي كانوا قد اخترعوها في جاهليتهم من التحليل والتحريم والعبادات الباطلة والأموال الفاسدة. وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " رأيت عمرو بن لحي بن قمعة يجر قصبه في النار " لأنه أول من سيب السوائب وكان هذا الرجل أحد ملوك خزاعة وهو أول من فعل هذه الأشياء وهو الذي حمل قريشا على عبادة الأصنام لعنه الله وقبحه ولهذا قال تعالى " ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم " أي لعوجلوا بالعقوبة لولا ما تقدم من الانظار إلى يوم المعاد " وإن الظالمين لهم عذاب أليم " أي شديد موجع في جهنم وبئس المصير ثم قال تعالى " ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا " أي في عرصات القيامة " وهو واقع بهم " أي الذي يخافون منه واقع بهم لا محالة هذا حالهم يوم معادهم وهم في هذا الخوف والوجل " والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم " فأين هذا من هذا؟ أي أين من هو في العرصات في الذل والهوان والخوف المحقق عليه بظلمه ممن هو في روضات الجنات فيما يشاء من مآكل ومشارب وملابس ومساكن ومناظر ومناكح وملاذ مما لا عين رأيت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. قال الحسن بن عرفة حدثنا عمرو بن عبد الرحمن الأبار حدثنا محمد بن سعد الأنصاري عن أبي طيبة قال إن الشرب من أهل الجنة لتظلهم السحابة فتقول ما أمطركم؟
قال فما يدعو داع من القوم بشئ إلا أمطرتهم حتى إن القائل منهم ليقول أمطرينا كواعب أترابا. ورواه ابن جرير عن الحسن بن عرفة به ولهذا قال تعالى " ذلك هو الفضل الكبير " أي الفوز العظيم والنعمة التامة السابغة الشاملة العامة.
ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور (23) أن يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور (24)