تقديرها حركات الأفلاك والكواكب، وأنه في ذاته أمر متشابه الأجزاء فيمتنع كون بعضها أفضل من بعض، والمكان عبارة عن الفضاء الممتد والخلاء الخالي فيمتنع كون بعض أجزائه أشرف من البعض، وإذا كان كذلك كان تخصيص بعض أجزائه بمزيد الشرف دون الباقي ترجيحا لأحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح وإنه محال، قلنا القول بإثبات حدوث العالم وإثبات أن فاعله فاعل مختار بناء على هذا الحرف وهو أنه لا يبعد من الفاعل المختار تخصيص وقت معين بإحداث العالم فيه دون ما قبله وما بعده، فإن بطل هذا الأصل فقد بطل حدوث العالم وبطل الفاعل المختار وحينئذ لا يكون الخوض في تفسير القرآن فائدة، وإن صح هذا الأصل فقد زال ما ذكرتم من السؤال، فهذا هو الجواب المعتمد، والناس قالوا لا يبعد " أن يخص الله تعالى بعض الأوقات بمزيد تشريف حتى يصير ذلك داعيا للمكلف إلى الإقدام على الطاعات في ذلك الوقت، ولهذا السبب بين أنه تعالى أخفاه في الأوقات وما عينه لأنه لم يكن معينا جوز المكلف في كل وقت معين أن يكون هو ذلك الوقت الشريف فيصير ذلك حاملا له على المواظبة على الطاعات في كل الأوقات، وإذا وقعت على هذا الحرف ظهر عندك أن الزمان والمكان إنما فازا بالتشريفات الزائدة تبعا لشرف الإنسان فهو الأصل وكل ما سواه فهو تبع له والله أعلم.
المسألة السادسة: روي أن عطية الحروري سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله * (إنا أنزلناه في ليلة القدر) * (القدر: 1) وقوله * (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) * كيف يصح ذلك مع أن الله تعالى أنزل القرآن في جميع الشهور؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: يا ابن الأسود لو هلكت أنا ووقع هذا في نفسك ولم تجد جوابه هلكت، نزل القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى البيت المعمور، وهو في السماء الدنيا، ثم نزل بعد ذلك في أنواع الوقائع حالا فحالا. والله أعلم.
المسألة السابعة: في بيان نظم هذه الآيات، اعلم أن المقصود منها تعظيم القرآن من ثلاثة أوجه أحدها: بيان تعظيم القرآن بحسب ذاته الثاني: بيان تعظيمه بسبب شرف الوقت الذي نزل فيه الثالث: بيان تعظيمه بحسب شرف منزلته، أما بيان تعظيمه بحسب ذاته فمن ثلاثة أوجه أحدها: أنه تعالى أقسم به وذلك يدل على شرفه وثانيها: أنه تعالى أقسم به على كونه نازلا في ليلة مباركة، وقد ذكرنا أن القسم بالشيء على حالة من أحوال نفسه يدل على كونه في غاية الشرف وثالثها: أنه تعالى وصفه بكونه مبينا وذلك يدل أيضا على شرفه في ذاته.
وأما النوع الثاني: وهو بيان شرفه لأجل شرف الوقت الذي أنزل فيه فهو قوله * (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) * وهذا تنبيه على أن نزوله في ليلة مباركة يقتضي شرفه وجلالته، ثم نقول إن قوله * (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) * يقتضي أمرين: أحدها: أنه تعالى أنزله والثاني: كون تلك الليلة مباركة فذكر تعالى عقيب هذه الكلمة ما يجرى مجرى البيان لكل واحد منهما، أما بيان أنه تعالى لم أنزله فهو قوله * (إنا كنا منذرين) * يعني الحكمة في إنزال هذه السورة أن إنذار الخلق لا يتم