وثانيها: قولهم * (طبتم) * والمعنى طبتم من دنس المعاصي وطهرتم من خبث الخطايا وثالها: قولهم * (فادخلوها خالدين) * والفاء في قوله * (فادخلوها) * يدل على كون ذلك الدخول معللا بالطيب والطهارة، قالت المعتزلة هذا يدل على أن أحدا لا يدخلها إلا إذا كان طاهرا عن كل المعاصي، قلنا هذا ضعيف لأنه تعالى يبدل سيئاتهم حسنات، وحينئذ يصيرون طيبين طاهرين بفضل الله تعالى، فإن قيل فهذا الذي تقدم ذكره هو الشرط فأين الجواب؟ قلنا فيه وجهان الأول: أن الجواب محذوف والمقصود من الحذف أن يدل على أنه بلغ في الكمال إلى حيث لا يمكن ذكره الثاني: أن الجواب هو قوله تعالى: * (وقال لهم خزنتها سلام عليكم) * والواو محذوف، والصحيح هو الأول، ثم أخبر الله تعالى بأن الملائكة إذا خاطبوا المتقين بهذه الكلمات، قال المتقون عند ذلك * (الحمد لله الذي صدقنا وعده) * في قوله * (ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) * (فصلت: 30) * (وأورثنا الأرض) * والمراد بالأرض أرض الجنة، وإنما عبر عنه بالإرث لوجوه الأول: أن الجنة كانت في أول الأمر لآدم عليه السلام، لأنه تعالى قال: وكلا منها رغدا حيث شئتما) * (البقرة: 35) فلما عادت الجنة إلى أولاد آدم كان ذلك سببا لتسميتها بالإرث الثاني: أن هذا اللفظ مأخوذ من قول القائل: هذا أورث كدا وهذا العمل أورث كدا فلما كانت طاعتهم قد أفادتهم الجنة، لا جرم قالوا * (وأورثنا الأرض) * والمعنى أن الله تعالى أورثنا الجنة بأن وفقنا للإتيان بأعمال أورثت الجنة الثالث: أن الوارث يتصرف فيما يرثه كما يشاء من غي منازع ولا مدافع فكذلك المؤمنون المتقون يتصرفون في الجنة كيف شاءوا وأرادوا، والمشابهة علة حسن المجاز فإن قيل ما معنى قوله * (حيث نشاء) * وهل يتبوأ أحدهم مكان غيره؟ قلنا يكون لكل أحد جنة لا يحتاج معها إلى جنة عيره، قال حكماء الإسلام: الجنات نوعان، الجنات الجسمانية والجنات الروحانية فالجنات الجسمانية لا تحتمل المشاركة فيها، أما الروحانيات فحصولها لواحد لا يمنع من حصولها للآخرين، ولما بين الله تعالى صفة أهل الجنة قال: * (فنعم أجر العاملين) * قال مقاتل ليس هذا من كلام أهل الجنة، بل من كلام الله تعالى لأنه لما حكى ما جرى بين الملائكة وبين المتقين من صفة ثواب أهل الجنة قال بعده * (فنعم أجر العاملين) * ولما قال تعالى: * (وترى الملائكة حافين من حول العرش) * ذكر عقيبه ثواب الملائكة فقال كما أن دار ثواب المتقين المؤمنين هي الجنة، فكذلك دار ثواب الملائكة جوانب العرش وأطرافه، فلهذا قال: * (وترى الملائكة حافين من حول العرش) * أي محفين بالعرش. قال الليث: يقال حف القوم بسيدهم يحفون حفا إذا طافوا به. إذا عرفت هذا، فنقول بين تعالى أن دار ثوابهم هو جوانب العرش وأطرافه ثم قال: * (يسبحون بحمد ربهم) * وهذا مشعر بأن ثوابهم هو عين ذلك التحميد والتسبيح، وحينئذ رجع حاصل الكلام إلى أن أعظم درجات الثواب استغراق قلوب العباد درجات التنزيه ومنازل التقديس.
ثم قال: * (وقضي بينهم بالحق) * والمعنى أنهم على درجات مختلفة ومراتب متفاوتة، فلكل واحد