للحشر والمحاسبة، وإنما قال: * (على جمعهم) * ولم يقل على جمعها، لأجل أن المقصود من هذا الجمع المحاسبة، فكأنه تعالى قال: وهو على جمع العقلاء إذا يشاء قدير، واحتج الجبائي بقوله * (إذا يشاء قدير) * على أن مشيئته تعالى محدثة بأن قال: إن كلمة * (إذا) * تفيد ظرف الزمان، وكلمة * (يشاء) * صيغة المستقبل، فلو كانت مشيئته تعالى قديمة لم يكن لتخصيصها بذلك الوقت المعين من المستقبل فائدة، ولما دل قوله * (إذا يشاء قدير) * على هذا التخصيص علمنا أن مشيئته تعالى محدثة والجواب: أن هاتين الكلمتين كما دخلتا على المشيئة، أي مشيئة الله، فقد دخلتا أيضا على لفظ القدير فلزم على هذا أن يكون كونه قادرا صفة محدثة، ولما كان هذا باطلا، فكذا القول فيما ذكره، والله أعلم.
ثم قال تعالى: * (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) * وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قرأ نافع وابن عامر * (بما كسبت) * بغير فاء، وكذلك هي في مصاحف الشام والمدينة، والباقون بالفاء وكذلك هي في مصاحفهم، وتقدير الأول أن ما مبتدأ بمعنى الذي، وبما كسبت خبره، والمعنى والذي أصابكم وقع بما كسبت أيديكم، وتقدير الثاني تضمين كلمة: ما معنى الشرطية. المسألة الثانية: المراد بهذه المصائب الأحوال المكروهة نحو الآلام والأسقام القحط والغرق والصواعق وأشباهها، واختلفوا في نحو الآلام أنها هل هي عقوبات على ذنوب سلفت أم لا؟ منهم من أنكر ذلك لوجوه الأولى: قوله تعالى: * (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت) * (غافر: 17) بين تعالى أن الجزاء إنما يحصل في يوم القيامة، وقال تعالى في سورة الفاتحة * (مالك يوم الدين) * (الفاتحة: 4) أي يوم الجزاء، وأطبقوا على أن المراد منه يوم القيامة والثاني: أن مصائب الدنيا يشترك فيها الزنديق والصديق، وما يكون كذلك امتنع جعله من باب العقوبة على الذنوب، بل الاستقراء يدل على أن حصول هذه المصائب للصالحين والمتقين أكثر منه للمذنبين، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " خص البلاء بالأنبياء، ثم الأولياء، ثم الأمثل فالأمثل " الثالث: أن الدنيا دار التكليف، فلو جعل الجزاء فيها لكانت الدنيا دار التكليف ودار الجزاء معا، وهو محال، وأما القائلون بأن هذه المصائب قد تكون أجزية على الذنوب المتقدمة، فقد تمسكوا أيضا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قال: " لا يصيب ابن آدم خدش عود ولا غيره إلا بذنب أو لفظ " هذا معناه وتمسكوا أيضا بقوله تعالى بعد هذه الآية * (أو يوبقهن بما كسبوا) * (الشورى: 34) وذلك تصريح بأن ذلك الإهلاك كان بسبب كسبهم، وأجاب الأولون عن التمسك بهذه الآية، فقالوا إن حصول هذه المصائب يكون من باب الامتحان في التكليف، لا من باب العقوبة كما في حق الأنبياء والأولياء، ويحمل قوله * (فبما كسبت أيديكم) *