لنا أن نطأ بساطهم، وليس غرض الملك من هذا إلا أن يقال: إن مجلسه مشتمل على أصحاب المحابر كلهم، ولو كان ذلك خالصا لله لنهضت. وشايعه على ذلك بعض أصحابه. ولكن الباقلاني لم يعجبه رأى شيخه فقال له: كذا قال ابن كلاب والحارث ابن أسد المحاسبي ومن في عصرهم: إن المأمون فاسق ظالم لا نحضر مجلسه، حتى ساق أحمد بن حنبل، وجرى عليه بعد مما عرف، ولو ناظروه لكفوه عن هذا الامر، وتبين له ما هم عليه بالحجة. وأنت أيضا - أيها الشيخ - تسلك سبيلهم حتى يجرى على الفقهاء ما جرى على أحمد، ويقولوا: بخلق القرآن ونفى الرؤية وها أنا خارج إن لم تخرج. فقال الشيخ: أما إذا شرح الله صدرك لذلك فافعل.
قال الباقلاني: فخرجت إلى شيراز، فلما دخلت المدينة استقبلني ابن خفيف في جماعة من الصوفية وأهل السنة، فلما جلسنا في موضع كان ابن خفيف يدارس فيه أصحابه " اللمع " للشيخ أبى الحسن الأشعري، فقلت له: تماد على التدريس كما كنت، فقال لي: أصلحك الله، إنما أنا بمنزلة المتيمم عند عدم الماء، فإذا وجد الماء فلا حاجة إلى التيمم. فقلت له: جزاك الله خيرا، وما أنت بمتيمم، بل لك حظ وافر من هذا العلم، وأنت على الحق، والله ينصرك.
ثم قلت: متى الدخول إلى فنا خسرو؟ فقالوا لي: يوم الجمعة لا يحجب عنه صاحب طيلسان. فدخلت والناس قد اجتمعوا، والملك قاعد على سرير ملكه، والناس صفوف على يسار الملك، وفوق الكل قاضى القضاة: بشر بن الحسين، وكان يدخل مع الوزراء في وزارتهم، ويصغي الملك إلى رأيه في أمر الدولة، فلما رأيت ذلك كرهت أن أتقدم على الناس وأتخطى رقابهم، من غير أن أرفع، ولم تدعني نفسي أن أقعد في أخريات الناس. وكان عن يمين الملك المجلس خاليا، ولا يقعد هناك إلا وزير وملك عظيم. فمضيت وقعدت عن يمينه، بحذاء قاضى القضاة، فوجدوا من ذلك، وفزعوا واضطربوا، لأنه كان عندهم من الجنايات العظام، ونظر الملك لقاضي القضاة نظرا منكرا، وما في المجلس من يعرفني إلا رجل واحد. فقال للقاضي: هذا هو الرجل الذي طلبه الملك من البصرة، فأعلم الملك بذلك، فقال قاضى القضاة: أطال الله بقاء مولانا، هذا هو الرجل