فقال: " إنكم ترون السوقة، وهم أهل الغفلة، فتروني بالعين التي ترون أولئك بها "! وذكر ابن شاكر في " عيون التواريخ " أن الباهلي مات سنة 370.
وكان الباهلي وابن مجاهد، أعرف العلماء بمذهب الأشعري، وأشدهم فقها له.
وأقواهم حجة في الدفاع عنه، لأنهما كانا من أقرب تلاميذه إليه. وقد سجل المؤرخون للأشعري: أن أخص تلاميذه به أربعة: أبو بكر بن مجاهد، وأبو الحسن الباهلي، وأبو الحسن الطبري، وخادمه بندار بن الحسين الشيرازي المتوفى سنة 353 ه.
وقد تلقى الباقلاني عليهما أصول المذهب، فتعشقه واندفع في نصرته، بما عرف عنه من قوة الحجة، وبراعة المحاورة، وسرعة البديهة، وطلاقة اللسان، وغزارة البيان. فطار صيته في الآفاق، وهو ما زال بعد في ريعان الصبا وفتاء الشباب، حتى وصل إلى أعلام المعتزلة بشيراز.
وكانت شيراز في ذلك الوقت حاضرة ملك أبى شجاع فنا خسرو بن ركن الدولة البويهي. الذي آل إليه ملك فارس بعد وفاة عمه عماد الدولة في سنة 338، فتلقب بعضد الدولة.
وكان عضد الدولة أميرا عظيم الهيبة، غزير العقل، شديد التيقظ، كثير الفضل، واسع الثقافة، مشاركا في العلوم، وقد تعلم على أحسن المعلمين. فكان يقدر العلم والعلماء، ويحب الأدب والأدباء، ويؤثر مجالستهم عن مجالسة الامراء، ويجرى الجرايات على الفقهاء والمحدثين، والنحاة والمفسرين، والشعراء والمتكلمين، والأطباء والمهندسين.
وكانت له خزانة كتب عظيمة، عنى بها عناية فائقة، يدل عليها وصف المقدسي لها بأنها " حجرة على حدة، عليها وكيل وخازن ومشرف. ولم يبق كتاب صنف إلى وقت عضد الدولة من أنواع العلوم إلا وحصله فيها. وهي أزج طويل في صفة كبيرة، فيه خزائن من كل وجه، وقد ألصق إلى جميع حيطان الأزج والخزائن بيوتا طولها قامة في عرض ثلاثة أذرع من الخشب المزوق، عليها أبواب تنحدر من فوق! والدفاتر منضدة على الرفوف، لكل نوع بيوت وفهرستات فيها أسامي الكتب، ولا يدخلها إلا كل وجبة ".