ولو كان الكلام الذي هو في صورة السجع منه لما تحيروا فيه، ولكانت الطباع تدعو إلى المعارضة، لان السجع غير ممتنع عليهم، بل هو عادتهم، فكيف تنقض العادة بما هو نفس العادة، وهو غير خارج عنها ولا متميز (1) منها؟ وقد يتفق في الشعر كلام [متزن] على منهاج السجع / وليس بسجع عندهم.
وذلك نحو قول البحتري:
تشكي الوجى، والليل ملتبس الدجا * غريرية الأنساب مرت بقيعها (2) وقوله (3):
قريب المدى، حتى يكون إلى الندى * عدو البنى، حتى تكون معالى (4) ورأيت بعضهم يرتكب هذا، فيزعم (5) أنه سجع مداخل!
ونظيره من القرآن قوله تعالى: (ثم يوم القيامة يخزيهم، ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم) (6). وقوله: (أمرنا مترفيها ففسقوا فيها) (7). وقوله: (أحب إليكم من الله ورسوله، وجهاد في / سبيله) (8).
وقوله: (والتوراة والإنجيل، ورسولا إلى بني إسرائيل) (9). وقوله: (إني وهن العظم منى) (10).
ولو كان ذلك عندهم سجعا لم يتحيروا فيه ذلك التحير، حتى سماه بعضهم سحرا، وتصرفوا فيما كانوا يسمونه به ويصرفونه إليه ويتوهمونه فيه. وهم في الجملة عارفون بعجزهم عن طريقه، وليس القوم بعاجزين عن تلك الأساليب المعتادة عندهم، المألوفة لديهم.
والذي تكلمنا به في هذا (11) الفصل كلام على جملة دون التفصيل.