ولو جاز أن يقولوا: هو سجع معجز، لجاز لهم أن يقولوا: شعر معجز.
وكيف والسجع مما كان يألفه الكهان من العرب، ونفيه من القرآن أجدر بأن يكون حجة من نفى الشعر، لان الكهانة تنافى النبوات، وليس كذلك الشعر.
وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذين جاءوه وكلموه في شأن الجنين:
كيف ندى من لا شرب ولا أكل (1)، ولا صاح فاستهل، أليس دمه قد يطل؟ فقال: " أسجاعة كسجاعة الجاهلية؟ " / وفى بعضها: " أسجعا كسجع الكهان " فرأى (2) ذلك مذموما لم يصح أن يكون في دلالته.
والذي يقدرونه (3) أنه سجع فهو وهم، لأنه قد يكون الكلام على مثال السجع وإن لم يكن سجعا، لان ما يكون به الكلام سجعا يختص ببعض الوجوه دون بعض، لان السجع من الكلام يتبع المعنى فيه اللفظ الذي يؤدى السجع.
وليس كذلك ما اتفق مما هو في تقدير السجع من القرآن، لان اللفظ يقع فيه تابعا للمعنى. وفصل بين أن ينتظم الكلام في نفسه بألفاظه التي تؤدى المعنى المقصود فيه، وبين أن يكون المعنى منتظما دون اللفظ. ومتى ارتبط المعنى بالسجع، كانت إفادة السجع كإفادة غيره، ومتى انتظم (4) المعنى بنفسه دون السجع، كان مستجلبا لتحسين (5) الكلام دون تصحيح المعنى.
فإن قيل: فقد يتفق في القرآن ما يكون من القبيلين جميعا، فيجب أن تسموا أحدهما سجعا.
قيل: الكلام في تفصيل هذا خارج عن غرض كتابنا، وإلا كنا نأتى على فصل فصل من أول القرآن إلى آخره، ونبين في الموضع الذي يدعون الاستغناء عن السجع من الفوائد ما لا يخفى، ولكنه / خارج عن غرض كتابنا.
وهذا القدر يحقق الفرق بين الموضعين.
ثم إن سلم لهم مسلم موضعا أو مواضع معدودة، وزعم أن وقوع ذلك موقع (6) الاستراحة في الخطاب إلى الفواصل لتحسين الكلام بها، وهي الطريقة