وكذلك ذكر في (حم) السجدة (1) على هذا المنهاج الذي شرحنا، فقال عز وجل: (حم. تنزيل الكتاب من الرحمن الرحيم. كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون. بشيرا ونذيرا) فلولا أنه جعله / برهانا لم يكن بشيرا ولا نذيرا، ولم يختلف بأن يكون عربيا مفصلا أو بخلاف (2) ذلك.
ثم أخبر عن جحودهم وقلة قبولهم، بقوله تعالى: (فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون). ولولا أنه حجة لم يضرهم الاعراض عنه.
وليس لقائل أن يقول: قد يكون حجة ولكن (3) يحتاج في كونه حجة إلى دلالة أخرى، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم حجة، ولكنه يحتاج إلى دلالة على صدقه، وصحة نبوته.
وذلك: أنه إنما احتج عليهم بنفس هذا التنزيل، ولم يذكر حجة غيره.
ويبين ذلك: أنه قال عقيب هذا: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى).
فأخبر أنه مثلهم لولا الوحي.
ثم عطف عليه بحمد المؤمنين به المصدقين له، فقال: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون). ومعناه: الذين آمنوا بهذا الوحي والتنزيل، وعرفوا هذه الحجة.
ثم تصرف في الاحتجاج على الوحدانية والقدرة، إلى أن قال: (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود). فتوعدهم بما أصاب من قبلهم من المكذبين بآيات الله من قوم عاد / وثمود في الدنيا. ثم توعدهم بأمر الآخرة، فقال: (ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون)، إلى انتهاء ما ذكره فيه.
ثم رجع إلى ذكر القرآن، فقال: (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون).