ثم أثنى بعد ذلك على من تلقاه بالقبول، فقال: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا).
ثم قال: (وإما ينزغنك من الشيطان نزع فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم).
وهذا ينبه على أن النبي صلى الله عليه وسلم يعرف إعجاز القرآن، وأنه دلالة له على جهة الاستدلال، لان الضروريات لا يقع فيها نزع الشيطان.
ونحن نبين ما يتعلق بهذا الفصل في موضعه.
ثم قال: (إن الذين يلحدون في آياتنا)، إلى أن قال: (إن الذين كفرا بالذكر لما جاءهم، وإنه لكتاب عزيز، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه). وهذا وإن كان متأولا على أنه لا يوجد فيه غير الحق مما يتضمنه من أقاصيص الأولين وأخبار المرسلين، وكذلك لا يوجد خلف فيما يتضمنه (1) من الاخبار عن الغيوب وعن الحوادث التي أنبأ أنها تقع في الآتي - فلا يخرج عن أن يكون متأولا على ما يقتضيه نظام الخطاب، مع أنه لا يأتيه ما يبطله من شبهة سابقة / تقدح في معجزته أو تعارضه في طريقه. وكذلك لا يأتيه من بعده قط أمر يشكك في وجه دلالته [وإعجازه]. وهذا أشبه بسياق الكلام ونظامه.
ثم قال: (ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا: لولا فصلت آياته، أ أعجمي وعربي) (2) فأخبر أنه لو كان أعجميا لكانوا يحتجون في رده: إما بأن ذلك خارج عن عرف خطابهم، أو كانوا يعتذرون بذهابهم عن معرفة معناه وبأنهم لا يبين (3) لهم وجه الاعجاز فيه. لأنه ليس من شأنهم ولا من لسانهم، أو بغير ذلك من الأمور، وأنه إذا تحداهم إلى ما هو من لسانهم وشأنهم فعجزوا عنه - وجبت الحجة عليهم به، على ما نبينه في وجه هذا الفصل. إلى أن قال: (قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به، من أضل ممن هو في شقاق بعيد).