قالوا، لأني لا أجيز: قام الناس إلا عبد الله، وعبد الله قائم إنما معنى الاستثناء أن يخرج الاسم الذي بعد إلا من معنى الأسماء التي قبل إلا. وقد أراه جائزا أن يقول: لي عليك ألف سوى ألف آخر فإن وضعت إلا في هذا الموضع صلحت، وكانت إلا في تأويل ما قالوا، فأما مجردة قد استثنى قليلها من كثيرها فلا، ولكن مثله مما يكون معنى إلا كمعنى الواو، وليست بها قوله: خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك هو في المعنى. والذي شاء ربك من الزيادة، فلا تجعل إلا بمنزلة الواو، ولكن بمنزلة سوى فإذا كانت سوى في موضع إلا صلحت بمعنى الواو، لأنك تقول: عندي مال كثير سوى هذا: أي وهذا عندي، كأنك قلت: عندي مال كثير وهذا أيضا عندي، وهو في سوى أبعد منه في إلا، لأنك تقول: عندي سوى هذا، ولا تقول: عندي إلا هذا.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في قوله إلا من ظلم ثم بدل عندي غير ما قاله هؤلاء الذين حكينا قولهم من أهل العربية، بل هو القول الذي قاله الحسن البصري وابن جريج ومن قال قولهما، وهو أن قوله: إلا من ظلم استثناء صحيح من قوله لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم منهم فأتى ذنبا، فإنه خائف لديه من عقوبته. وقد بين الحسن رحمه الله معنى قيل الله لموسى ذلك، وهو قوله قال: إني إنما أخفتك لقتلك النفس.
فإن قال قائل: فما وجه قيله إن كان قوله إلا من ظلم استثناء صحيحا، وخارجا من عداد من لا يخاف لديه من المرسلين، وكيف يكون خائفا من كان قد وعد الغفران والرحمة؟ قيل: إن قوله: ثم بدل حسنا بعد سوء كلام آخر بعد الأول، وقد تناهى الخبر عن الرسل من ظلم منهم، ومن لم يظلم عند قوله إلا من ظلم ثم ابتدأ الخبر عمن ظلم من الرسل، وسائر الناس غيرهم. وقيل: فمن ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني له غفور رحيم.
فإن قال قائل: فعلام تعطف إن كان الامر كما قلت بثم إن لم يكن عطفا على قوله:
ظلم؟ قيل: على متروك استغني بدلالة قوله ثم بدل حسنا بعد سوء عليه عن إظهاره، إذ كان قد جرى قبل ذلك من الكلام نظيره، وهو: فمن ظلم من الخلق. وأما الذين ذكرنا قولهم من أهل العربية، فقد قالوا على مذهب العربية، غير أنهم أغفلوا معنى الكلمة وحملوها على غير وجهها من التأويل. وإنما ينبغي أن يحمل الكلام على وجهه من