حتى أنسوكم ذكري قال: أنسى هؤلاء الله استهزاؤهم بهم وضحكهم بهم. وقرأ: إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون حتى بلغ: إن هؤلاء لضالون.] وقوله: إني جزيتهم اليوم بما صبروا يقول تعالى ذكره: إني أيها المشركون بالله المخلدون في النار، جزيت الذين اتخذتموهم في الدنيا سخريا من أهل الايمان بي، وكنتم منهم تضحكون. اليوم بما صبروا على ما كانوا يلقون بينكم من أذى سخريتكم وضحككم منهم في الدنيا. إنهم هم الفائزون.
اختلفت القراء في قراءة: إنهم فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة: أنهم، بفتح الألف من أنهم بمعنى: جزيتهم هذا. ف أن في قراءة هؤلاء:
في موضع نصب بوقوع قوله: جزيتهم عليها، لان معنى الكلام عندهم: إني جزيتهم اليوم الفوز بالجنة. وقد يحتمل النصب من وجه آخر، وهو أن يكون موجها معناه إلى: إني جزيتهم اليوم بما صبروا، لأنهم هم الفائزون بما صبروا في الدنيا على ما لقوا في ذات الله.
وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة: إني بكسر الألف منها، بمعنى الابتداء، وقالوا: ذلك ابتداء من الله مدحهم.
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأ بكسر الألف، لان قوله:
جزيتهم، عمل في الهاء والميم، والجزاء إنما يعمل في منصوبين، وإذا عمل في الهاء والملم يكن له العمل في أن فيصير عاملا في ثلاثة إلا أن ينوى به التكرير، فيكون نصب أن حينئذ بفعل مضمر لا بقوله: جزيتهم، وإن هي نصبت بإضمار لام لم يكن له أيضا كبير معنى لان جزاء الله عباده المؤمنين بالجنة، إنما هو على ما سلف من صالح أعمالهم في الدنيا وجزاؤه إياهم وذلك في الآخرة هو الفوز، فلا معنى لان يشرط لهم الفوز بالاعمال ثم يخبر أنهم إنما فازوا لأنهم هم الفائزون.
فتأويل الكلام إذ كان الصواب من القراءة ما ذكرنا: إني جزيتهم اليوم الجنة بما صبروا في الدنيا على أذاكم بها، في أنهم اليوم هم الفائزون بالنعيم الدائم والكرامة الباقية أبدا، بما عملوا من صالحات الأعمال في الدنيا ولقوا في طلب رضاي من المكاره فيها.
القول في تأويل قوله تعالى: