قالت: نعم، فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت، فدخل علي أبو بكر وأنا أبكي، فقال لأمي: ما يبكيها؟ قالت: لم تكن علمت ما قيل لها. فأكب يبكي، فبكى ساعة، ثم قال: اسكتي يا بنية فبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلى المقبل لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، حتى ظن أبواي أن البكاء سيفلق كبدي.
فدعا رسول الله (ص) علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد، حين استلبث الوحي، يستشيرهما في فراق أهله قالت: فأما أسامة، فأشار على رسول الله (ص) بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي في نفسه من الود، فقال: يا رسول الله، هم أهلك، ولا نعلم إلا خيرا.
وأما علي فقال: لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، يعني بريرة. فدعا رسول الله (ص) بريرة، فقال: هل رأيت من شئ يريبك من عائشة؟
قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق، ما رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها، أكثر من أنها حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله فقام النبي (ص) خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: من يعذرني ممن قد بلغني أذاه في أهلي؟ يعني عبد الله بن أبي ابن سلول. وقال رسول الله (ص) وهو على المنبر أيضا: يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي؟ فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي فقام سعد بن معاذ الأنصاري، فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. فقام سعد بن عبادة، فقال، وهو سيد الخزرج، وكان رجلا صالحا، ولكن احتملته الحمية، فقال: أي سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت، لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين فثار الحيان: الأوس والخزرج، حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول الله (ص) قائم على