الآية التي بعدها شبهت أفراد العالم حيال رزق الخالق وكيفية الاستفادة منه بالمزارعين الذين يقوم قسم منهم بالزراعة للآخرة والقسم الآخر للدنيا، وتحدد عاقبة كل قسم منهم وفق تشبيه لطيف حيث تقول: من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب (1).
إنه لتشبيه لطيف وكناية جميلة، فجميع الناس مزارعون، وهذه الدنيا مزرعة لنا، أعمالنا هي البذور، والإمكانات الإلهية هي المطر لهذه المزرعة، إلا أن هذه البذور تختلف كثيرا، فبعضها غير محدودة النتاج وأبدية، أشجارها دائمة الخضرة ومثمرة وبعضها الآخر قليل النفع جدا، وتنتهي بسرعة، وتحمل ثمارا مرة.
وفي الحقيقة، فإن عبارة (يريد) تشير إلى اختلاف الناس في النيات، ومجموع هذه الآية يعتبر توضيحا لما جاء في الآية السابقة من المواهب والرزق الإلهي، فالبعض يستفيد من هذه المواهب على شكل بذور للآخرة، والبعض الآخر يستعملها للتمتع الدنيوي.
والطريف في الأمر أن الآية تقول بخصوص الذين يزرعون للآخرة: نزد له في حرثه إلا أنها لا تقول أنه لا يصيبهم شئ من متاع الدنيا، وبالنسبة لمن يزرع للدنيا تقول: نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب.
وعلى هذا الأساس فلا طلاب الدنيا يصلون إلى ما يريدون، ولا طلاب الآخرة يحرمون من الدنيا، ولكن مع الفارق، وهو أن المجموعة الأولى تذهب إلى الآخرة بأيد فارغة، والمجموعة الثانية بأيد مملوءة.
وقد جاء ما يشبه نفس هذا المعنى في الآية 18 و 19 من سورة الإسراء، ولكن بشكل آخر: من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم