على ذلك الاشكال، أما الانطلاق إلى أفق المعاني الواسعة الوضاءة لمفهوم النصر الإلهي والاخذ بنظر الاعتبار القيم الواقعية للنصر سيؤدى بنا إلى معرفة المعنى العميق للآية.
ثمة كلام لطيف لسيد قطب في تفسيره " في ظلال القرآن " يناسب هذا المقام، إذ يورد فيه ذكرى بطل كربلاء الإمام الحسين (عليه السلام) كمثال على المعنى الواسع لمفهوم النصر فيقول: "... والحسين - رضوان الله عليه - وهو يستشهد في تلك الصورة العظيمة من جانب، المفجعة من جانب، أكانت هذه نصرا أم هزيمة؟ في الصورة الظاهرة وبالمقياس الصغير كانت هزيمة. فأما في الحقيقة الخالصة وبالمقياس الكبير فقد كانت نصرا. فما من شهيد في الأرض تهتز له الجوانح بالحب والعطف وتهفو له القلوب وتجيش بالغيرة والفداء كالحسين رضوان الله عليه، يستوي في هذا المتشيعون وغير المتشيعين من المسلمين وكثير من غير المسلمين " (1).
وينبغي أن نضيف إلى هذا الكلام أن شيعة أهل البيت عليهم السلام يشاهدون كل يوم بأعينهم آثار الخير من حياة سيد الشهداء الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) ويلمسون آثار استشهاده واستشهاد صحبه البررة من أهل بيته وأصحابه، إن مجالس العزاء التي تقام للحديث عن مناقب الحسين وصحبه الكرام هي ينبوع الخير لحركة عظيمة ثرة ما زال عطاؤها لم ولن ينضب!
لقد شاهدنا بأعيننا ومن خلال النموذج الثوري الذي شهدته أرض إيران المسلمة، كيف استطاع الملايين من أبناء الإسلام أن يتحركوا في أيام عاشوراء للقضاء على الظلم والطغيان والاستكبار.
لقد شاهدنا بأعيننا كيف استطاع هذا الجيل المضحي الذي تربى في مدرسة أبي الشهداء الحسين (عليه السلام) وتغذى مما تدره مجالس عزائه، أن يحطم بأيد خالية عرش أقوى السلاطين الجبارين.