غير متناه في العلم والقدرة والإدراك، وأنه أزلي وأبدي. وأنه صمم هذا العالم وفق نظام دقيق مدروس. ويعتقدون أن الإنسان - بما يحمله من روح إنسانية - يسمو بكثير على سائر الحيوانات. وأن الموت ليس بمعنى العدم والفناء، بل هو مرحلة تكاملية في الإنسان، ونافذة تطل على عالم أوسع وأكبر.
بينما الإنسان المادي يعتقد أن عالم الوجود محدود بما نلمسه ونراه. وأن العالم وليد مجموعة من القوانين الطبيعية العمياء الخالية من أي هدف أو تخطيط أو عقل أو شعور. والإنسان جزء من الطبيعة ينتهي وجوده بموته، يتلاشى بدنه، وتندمج أجزاؤه مرة أخرى بالمواد الطبيعية. فلا بقاء للإنسان، وليس ثمة فاصلة كبيرة بينه وبين سائر الحيوانات (1)!
ما أكبر الهوة التي تفصل بين هاتين الرؤيتين للكون والحياة! وما أعظم الفرق بين ما تفرزه كل رؤية، من حياة اجتماعية وسلوك ونظام!
الرؤية الأولى تربي صاحبها على أن ينشد الحق والعدل والخير ومساعدة الآخرين. والثانية، لا تقدم لصاحبها أي مبرر على ممارسة الأمور اللهم إلا ما عاد عليه بالفائدة في حياته المادية. من هنا يسود في حياة المؤمنين الحقيقيين التفاهم والإخاء والطهر والتعاون، بينما تهيمن على حياة الماديين روح الاستعمار والاستغلال وسفك الدماء والنهب والسلب. ولهذا السبب نرى القرآن يتخذ من " الإيمان بالغيب " نقطة البداية في التقوى.
يدور البحث في كتب التفسير عن المقصود بالغيب، أهو إشارة إلى ذات الباري تعالى، أم أنه يشمل - أيضا - الوحي والقيامة وعالم الملائكة وكل ما هو وراء الحس؟ ونحن نعتقد أن الآية أرادت المعنى الشامل لكلمة الغيب، لأن الإيمان بعالم ما وراء الحس - كما ذكرنا - أول نقطة افتراق المؤمنين عن