هؤلاء في الواقع التزموا بالأحكام التي تنسجم مع مصالحهم الدنيوية من الأحكام، أما حين تقتضي مصلحتهم أن يريقوا دم الآخرين ويستضعفوهم، فلا يألون جهدا في ارتكاب كل ذلك مخالفين بذلك أهم أحكام رب العالمين.
إلتزامهم بفداء الأسرى لا ينطلق من روح تعبدية، بل من روح مصلحية ترى أن من مصلحتها أن تفدي الأسرى اليوم، كي تفدى هي حين تقع بالأسر في المستقبل.
العمل بالأحكام المنسجمة مع مصالح الإنسان الدنيوية، ليس دلالة على طاعة الله وعبادته، لأن الدافع لم يكن الاستجابة إلى دعوة الله بقدر ما كان استجابة لنداء الذات والمصالح الذاتية. روح الطاعة تبرز لدى إلتزام الإنسان بما لا ينسجم مع مصالحه الآنية الذاتية. وهذا هو المعيار الذي يميز به المؤمن عن العاصي، فالازدواجية في الإلتزام بأحكام الله تعالى، تدل على روح العصيان، بل أحيانا على عدم الإيمان وبعبارة أخرى، إن الايمان يظهر أثره فيما لو كان القانون على خلاف مصالح الفرد ومع ذلك يلتزم به الفرد، وإلا فان العمل بالأحكام الشرعية، إذا اتفقت مع المصالح الشخصية لا يعتبر افتخارا ولا علامة على الايمان ولهذا يمكن تمييز المؤمنين عن المنافقين من هذا الطريق فالمؤمنون يلتزمون بجميع الاحكام، والمنافقون يذهبون إلى التبعيض.
ومصير هذه الأمة - بالتعبير القرآني - الخزي في الدنيا وأشد العذاب في الآخرة... ولا خزي أكبر من سقوط هذه الأمة السائرة على خط الازدواجية بيد الغزاة الأجانب، وهبوطها في مستنقع الذلة على الساحة العالمية.
هذه السنة الكونية لا تقتصر على بني إسرائيل، بل هي سارية في كل زمان ومكان، وتشملنا نحن المسلمين أيضا. وما أكثر الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض في مجتمعاتنا اليوم! وما أشقى هؤلاء في الدنيا والآخرة!
* * * 3 3 - منهج البقاء وعوامل السقوط