عبادة ربه، فشغله الفكر في أمرها عن بعض نوافله، فعوتب.
وخامسها: إنه عوتب على عجلته في الحكم، قبل التثبت، وكان يجب عليه حين سمع الدعوى من أحد الخصمين، أن يسأل الاخر عما عنده فيها، ولا يحكم عليه قبل ذلك. وإنما أنساه التثبت في الحكم فزعه من دخولهما عليه في غير وقت العادة. وأما ما ذكر في القصة أن داود كان كثير الصلاة، فقال: يا رب فضلت علي إبراهيم، فاتخذته خليلا، وفضلت علي موسى، فكلمته تكليما، فقال: يا داود! إنا ابتليناهم بما لم نبتلك بمثله، فإن شئت ابتليتك. فقال: نعم يا رب فابتلني. فبينا هو في محرابه ذات يوم، إذ وقعت حمامة، فأراد أن يأخذها، فطارت إلى كوة المحراب، فذهب ليأخذها، فاطلع من الكوة، فإذا امرأة أوريا بن حيان تغتسل، فهويها وهم بتزويجها، فبعث بأوريا إلى بعض سراياه، وأمر بتقديمه أمام التابوت الذي فيه السكينة، ففعل ذلك، وقتل. فلما انقضت عدتها تزوجها، وبنى بها، فولد له منها سليمان. فبينا هو ذات يوم في محرابه يقرأ، إذ دخل عليه رجلان، ففزع منهما، فقالا (لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض) إلى قوله:
(وقليل ما هم). فنظر أحد الرجلين إلى صاحبه، ثم ضحك. فتنبه داود على أنهما ملكان بعثهما الله إليه في صورة خصمين، ليبكتاه على خطيئته، فتاب وبكى حتى نبت الزرع من كثرة دموعه.
فمما لا شبهة في فساده (1)، فإن ذلك مما يقدح في العدالة، فكيف يجوز أن يكون أنبياء الله الذين هم أمناؤه على وحيه، وسفراؤه بينه وبين خلقه، بصفة من لا تقبل شهادته، وعلى حالة تنفر عن الاستماع إليه، والقبول منه؟ جل أنبياء الله عن ذلك.
وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: لا أوتى برجل يزعم أن داود تزوج امرأة أوريا، إلا جلدته حدين: حدا للنبوة، وحدا للاسلام. وقال أبو مسلم: لا يمتنع أن يكون الداخلان على داود، كانا خصمين من البشر، وأن يكون ذكر النعاج محمولا على الحقيقة دون الكناية، وإنما خاف منهما لدخولهما من غير إذن، وعلى غير مجرى العادة. وإنما عوتب على أنه حكم بالظلم على المدعى عليه قبل أن يسأله.