منتهى الحمد، وغاية الشكر، فقال: (سبحان الذي خلق الأزواج كلها) أي:
تنزيها، وتعظيما، وبراءة عن السوء، للذي خلق الأصناف والأشكال من الأشياء، فالحيوان على مشاكلة الذكر للأنثى، وكذلك النخل والحبوب أشكال، والتين والكرم ونحوهما أشكال، فلذلك قال: (مما تنبت الأرض) أي: من سائر النبات (ومن أنفسهم) أي: وخلق منهم أولادا أزواجا، ذكورا وإناثا. (ومما لا يعلمون) مما في بطون الأرض، وقعر البحار، فلم يشاهدوه، ولم يتصل خبره بهم.
(وآية لهم) أي: ودلالة لهم أخرى (الليل نسلخ منه النهار) أي: ننزع منه، ونخرج ضوء الشمس، فيبقى الهواء مظلما، كما كان، لأن الله سبحانه يضئ الهواء بضياء الشمس، فإذا سلخ منه الضياء أي: كشط وأزيل، يبقى مظلما.
وقيل: إنما قال سبحانه (نسلخ منه النهار) لأنه تعالى جعل الليل كالجسم لظلمته، وجعل النهار كالقشر، ولأن النهار عارض، فهو كالكسوة، والليل أصل فهو كالجسم.
وقوله: (فإذا هم مظلمون) أي: داخلون في الليل، لا ضياء لهم فيه (والشمس تجري لمستقر لها) معناه: ودلالة أخرى لهم الشمس. وفي قوله (لمستقر لها) أقوال أحدها: إنها تجري لانتهاء أمرها عند انقضاء الدنيا، فلا تزال تجري حتى تنقضي الدنيا، عن جماعة من المفسرين. قال أبو مسلم: ومعنى هذا، ومعنى لا مستقر لها واحد أي: لا قرار لها إلى انقضاء الدنيا وثانيها: إنها تجري لوقت واحد لا تعدوه، ولا يختلف، عن قتادة وثالثها: إنها تجري إلى أقصى منازلها في الشتاء والصيف، لا تتجاوزها. والمعنى أن لها في الارتفاع غاية لا تتجاوزها، ولا تنقطع دونها، ولها في الهبوط غاية لا تتجاوزها، ولا تقصر عنها، فهو مستقرها.
(ذلك تقدير العزيز) أي: القادر الذي لا يعجزه شئ (العليم) الذي لا يخفى عليه شئ. (والقمر قدرناه منازل) وهي ثمانية وعشرون منزلا، ينزل كل يوم وليلة منزلة منها، لا يختلف حاله في ذلك إلى أن يقطع الفلك. (حتى عاد كالعرجون القديم) أي: عاد في آخر الشهر دقيقا كالعذق اليابس العتيق، ثم يخفى يومين آخر الشهر، وإنما شبهه سبحانه بالعذق، لأنه إذا مضت عليه الأيام جف وتقوس، فيكون أشبه الأشياء بالهلال. وقيل: إن العذق يصير كذلك في كل ستة أشهر.