(وخلقنا لهم من مثله ما يركبون) أي: وخلقنا لهم من مثل سفينة نوح سفنا، يركبون فيها كما ركب نوح، يعني السفن التي عملت بعد سفينة نوح مثلها على صورتها وهيئتها، عن ابن عباس وغيره. وقيل: إن المراد به الإبل وهي سفن البر، عن مجاهد. وقيل: مثل السفينة من الدواب كالإبل، والبقر، والحمير، عن الجبائي. (وإن نشأ نغرقهم) أي: وإن نشأ إذا حملناهم في السفن، نغرقهم بتهييج الرياح، والأمواج. (فلا صريخ لهم) أي: لا مغيث لهم (ولا هم ينقذون) أي:
ولا يخلصون من الغرق إذا أردناه.
(إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين) أي: إلا أن نرحمهم بأن نخلصهم في الحال من أهوال البحر، ونمتعهم إلى وقت ما قدرناه، لتقضى آجالهم. وقيل: معناه بقيناهم نعمة منا عليهم، وإمتاعا إلى مدة (وإذا قيل لهم) أي: للمشركين (اتقوا ما بين أيديكم) من أمر الآخرة، فاعملوا لها (وما خلفكم) من أمر الدنيا فاحذروها، ولا تغتروا بها (لعلكم ترحمون) أي: لتكونوا على رجاء الرحمة من الله تعالى، عن ابن عباس. وقيل: معناه اتقوا ما مضى من الذنوب، وما يأتي من الذنوب، عن مجاهد أي: اتقوا عذاب الله بالتوبة للماضي، والاجتناب للمستقبل. وقيل: اتقوا العذاب المنزل على الأمم الماضية، وما خلفكم من عذاب الآخرة، عن قتادة.
وروى الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: معناه اتقوا ما بين أيديكم من الذنوب، وما خلفكم من العقوبة. وجواب إذا محذوف تقديره: إذا قيل لهم هذا أعرضوا.
ويدل على هذا المحذوف، قوله: (وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين) أي: أعرضوا عن الداعي، وعن التفكر في الحجج، وفي المعجزات، و (من) في قوله (من آية): هي التي تزاد في النفي للاستغراق. و (من) الثانية.
للتبعيض، أي: ليس تأتيهم آية، أية آية كانت، إلا ذهبوا عنها، وأعرضوا عن النظر فيها، وذلك سبيل من ضل عن الهدى، وخسر الدنيا والآخرة.
(وإذا قيل لهم) أيضا (أنفقوا مما رزقكم الله) في طاعته، وأخرجوا ما أوجب الله عليكم في أموالكم. (قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه) احتجوا في منع الحقوق بأن قالوا: كيف نطعم من يقدر الله على إطعامه، ولو شاء الله إطعامه أطعمه، فإذا لم يطعم دل على أنه لم يشأ إطعامه. وذهب عليهم أن الله سبحانه إنما تعبدهم بذلك لما لهم فيه من المصلحة. فأمر الغني بالإنفاق على