مسعود أنهما قرءا: إنا جعلنا في أيمانهم أغلالا. وقرأ بعضهم: في أيديهم.
والمعنى في الجميع واحد، لأن الغل لا يكون في العنق دون اليد، ولا في اليد دون العنق، ومثل هذا قول الشاعر.
وما أدري إذا يممت أرضا أريد الخير أيهما يليني أألخير الذي أنا أبتغيه * أم الخير الذي لا يأتليني ذكر الخير وحده. ثم قال: أيهما يليني لأنه قد علم أن الخير والشر معرضان للإنسان، فلم يدر أيلقاه هذا أم ذلك. ومثله في التنزيل. (وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر) ولم يقل البرد، لأن ما يقي من الحر يقي من البرد.
واختلف في معنى الآية على وجوه أحدها: إنه سبحانه إنما ذكره ضربا للمثل، وتقديره: مثل هؤلاء المشركين في إعراضهم عما تدعوهم إليه، كمثل رجل غلت يداه إلى عنقه، لا يمكنه أن يبسطهما إلى خير، ورجل طامح برأسه لا يبصر موطئ قدميه، عن الحسن، والجبائي قال: ونظيره قول الأفوه الأودي:
كيف الرشاد، وقد صرنا إلى أمم، لهم عن الرشد أغلال، وأقياد ونحوه كثير في كلام العرب وثانيها: إن المعنى كأن هذا القرآن أغلال في أعناقهم يمنعهم عن الخضوع لاستماعه وتدبره لثقله عليهم، وذلك أنهم لما استكبروا عنه، وأنفوا من اتباعه، وكان المستكبر رافعا رأسه، لاويا عنقه، شامخا بأنفه، لا ينظر إلى الأرض، صاروا كأنما غلت أيديهم إلى أعناقهم. وإنما أضاف ذلك إلى نفسه، لأن عند تلاوته القرآن عليهم، ودعوته إياهم، صاروا بهذه الصفة، فهو مثل قوله: (حتى أنسوكم ذكري) عن أبي مسلم وثالثها: إن المعني بذلك ناس من قريش، هموا بقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجعلت أيديهم إلى) أعناقهم، فلم يستطيعوا أن يبسطوا إليه يدا، عن ابن عباس، والسدي ورابعها: إن المراد به وصف حالهم يوم القيامة، فهو مثل قوله. (إذ الأغلال في أعناقهم)، وإنما ذكره بلفظ الماضي للتحقيق.
وقوله: (فهم مقمحون) أراد أن أيديهم لما غلت إلى أعناقهم، ورفعت الأغلال أذقانهم ورؤوسهم صعدا، فهم مرفوعو الرأس برفع الأغلال إياها، عن الأزهري، ويدل على هذا المعنى قول قتادة: مقمحون مغلولون. (وجعلنا من بين