أنزل من السماء ماء) أي: غيثا ومطرا (فأخرجنا) أخبر عن نفسه بنون الكبرياء والعظمة (به) أي: بذلك الماء (ثمرات) جمع ثمرة، وهي ما تجتنى من الشجر (مختلفا ألوانها) وطعومها وروائحها. اقتصر على ذكر الألوان، لأنها أظهر، ولدلالة الكلام على الطعوم والروائح. (ومن الجبال جدد) أي: ومما خلقنا من الجبال جدد (بيض وحمر) أي: طرق بيض، وطرق حمر.
(مختلف ألوانها وغرابيب سود) أي: ومن الجبال غرابيب سود على لون واحد، لا خطط فيها. قال الفراء: وهذا على التقديم والتأخير، تقديره: وسود غرابيب، لأنه يقال: أسود غربيب، وأسود حالك. وأقول: ينبغي أن يكون (سود) عطف بيان بين غرابيب به، والأجود أن يكون تأكيدا، إذ الغرابيب لا تكون إلا سودا، فيكون كقولك: رأيت زيدا زيدا. وهذا أولى من أن يحمل على التقديم والتأخير. (ومن الناس) أيضا (والدواب) التي تدل على وجه الأرض (والانعام) كالإبل والغنم والبقر خلق (مختلف ألوانه كذلك) أي: كاختلاف الثمرات والجبال.
وتم الكلام.
ثم قال: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) أي: ليس يخاف الله حق خوفه، ولا يحذر معاصيه خوفا من نقمته، إلا العلماء الذي يعرفونه حق معرفته. وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: يعني بالعلماء من صدق قوله فعله، ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم. وعن ابن عباس قال: يريد إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي، وعزتي، وسلطاني. وفي الحديث: " أعلمكم بالله أخوفكم لله ". قال مسروق: كفى بالمرء علما أن يخشى الله، وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعلمه. وإنما خص سبحانه العلماء بالخشية، لان العالم أحذر لعقاب الله من الجاهل، حيث يختص بمعرفة التوحيد، والعدل، ويصدق بالبعث، والحساب، والجنة، والنار.
ومتى قيل: فقد نرى من العلماء من لا يخاف الله، ويرتكب المعاصي؟
(فالجواب): إنه لا بد من أن يخافه مع العلم به، وإن كان يؤثر المعصية عند غلبة الشهوة لعاجل اللذة (إن الله) تعالى (عزيز) في انتقامه من أعدائه (غفور) لزلات أوليائه. ثم وصف سبحانه العلماء، فقال: (إن الذين يتلون كتاب الله) أي:
يقرؤون القرآن في الصلاة وغيرها. أثنى سبحانه عليهم بقراءة القرآن. قال مطرف بن عبد الله الشخير: هذه آية القراء.