(وما يستوي الأعمى والبصير) أي: لا يتساوى الأعمى عن طريق الحق، والذي اهتدى إليه قط. وقيل: المشرك والمؤمن (ولا الظلمات) أي. ظلمات الشرك والضلال (ولا النور) أي. نور الإيمان والهداية. وفي قوله (ولا النور) وما بعده من زيادة (لا) قولان أحدهما. إنها زائدة مؤكدة للنفي والثاني. إنها نافية لاستواء كل واحد منهما لصاحبه على التفصيل. (ولا الظل ولا الحرور) يعني الجنة والنار، عن الكلبي. وقيل: يعني ظل الليل، والسموم بالنهار (وما يستوي الأحياء ولا الأموات) يعني المؤمنين والكافرين. وقيل: يعني العلماء والجهال. وقال بعضهم. أراد نفس الأعمى والبصير، والظل والحرور والظلمات والنور، على طريق ضرب المثل أي. كما لا يستوي هذه الأشياء، ولا يتماثل، ولا يتشاكل، فكذلك عبادة الله، لا تشبه عبادة غيره، ولا يستوي المؤمن والكافر، والحق والباطل، والعالم والجاهل.
(إن الله يسمع من يشاء) أي. ينفع بالإسماع من يشاء أن يلطف له، ويوفقه، ولم يرد به نفي حقيقة السماع، لأنهم كانوا يسمعون آيات الله (وما أنت بمسمع من في القبور) أي: انك لا تقدر على أن تنفع الكفار بإسماعك إياهم، إذ لم يقبلوا، كما لا تسمع من في القبور من الأموات (إن أنت إلا نذير) أي: ما أنت إلا مخوف لهم بالله (إنا أرسلناك بالحق) أي: بالدين الصحيح (بشيرا ونذيرا) أي: مبشرا للمؤمنين، ونذيرا للكافرين (وإن من أمة) أي: وما من أمة من الأمم الماضية (إلا خلا فيها نذير) أي: مضى فيها مخوف، يخوفهم وينذرهم. فأنت مثلهم نذير لمن جحد، بشير لمن وحد. قال الجبائي: وفي هذا دلالة على أنه لا أحد من المكلفين إلا وقد بعث إليه الرسول، وأنه سبحانه أقام الحجة على جميع الأمم.
ثم قال تعالى تسلية لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم. (وإن يكذبوك) يا محمد، ولم يصدقوك (فقد كذب الذين من قبلهم) من الكفار أنبياء أرسلهم الله إليهم (جاءتهم رسلهم بالبينات) أي: بالمعجزات الباهرات، والحجج الواضحات (وبالزبر) أي:
وبالكتب (وبالكتاب المنير) أي. الواضح البين. لأنما كرر ذكر الكتاب، وعطفه على الزبر، لاختلاف الصفتين، فإن الزبور أثبت في الكتاب من الكتاب، لأنه يكون منقرا، منقشا فيه، كالنقر في الحجر (ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير) أي. فلما كذبوا رسلهم، ولم يعترفوا بنبوتهم، أخذتهم بالعذاب، وأهلكتهم،