(آمنون) فيها لا يخافون شيئا مما يخاف مثله في دار الدنيا من الموت، والغير، والآفات، والأحزان. (والذين يسعون في آياتنا) أي: يجتهدون في إبطال آياتنا وتكذيبها (معاجزين) لأنبيائنا، ومعاجزين أي: مثبطين غيرهم عن أفعال البر.
(أولئك في العذاب محضرون قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له) مر تفسيره. وإنما كرره سبحانه لاختلاف الفائدة، فالأول: توبيخ للكافرين، وهم المخاطبون به. والثاني: وعظ للمؤمنين، فكأنه قال: ليس إغناء الكفار وإعطاؤهم بدلالة على كرامتهم وسعادتهم، بل يزيدهم ذلك عقوبة. وإغناء المؤمنين يجوز أن يكون زيادة في سعادتهم بان ينفقوها في سبيل الله، ويدل على ذلك قوله:
(وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه " أي: وما أخرجتم من أموالكم في وجوه البر، فإنه سبحانه يعطيكم خلفه وعوضه. أما في الدنيا بزيادة النعمة، وأما في الآخرة بثواب الجنة. يقال: أخلف الله له وعليه. إذا أبدل له ما ذهب عنه.
(وهو خير الرازقين) لأنه يعطي لمنافع عباده، لا لدفع ضرر، أو جر نفع، لاستحالة المنافع والمضار عليه. وقال الكلبي. ما تصدقتم به في خير، فهو يخلفه، إما أن يجعله لكم في الدنيا، أو يدخر لكم في الآخرة. وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال. (قال الله عز وجل لي: أنفق أنفق عليك). وروى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ينادي مناد كل ليلة: لدوا للموت، وينادي مناد: ابنوا للخراب، وينادي مناد: اللهم هب للمنفق خلفا. وينادي مناد: اللهم هب للممسك تلفا. وينادي مناد: ليت الناس لم يخلقوا. وينادي مناد: ليتهم إذ خلقوا فكروا فيما له خلقوا). وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال. (كل معروف صدقة، وما وقى به الرجل عرضه فهو صدقة، وما أنفق المؤمن من نفقة فعلى الله خلفها، ضامنا، إلا ما كان من نفقة في بنيان، أو معصية). وعن أبي أمامة قال: إنكم تؤولون هذه الآية في غير تأويلها (وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه)، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول وإلا فصمتا: (إياكم والسرف في المال والنفقة، وعليكم بالاقتصاد فما افتقر قوم قط اقتصدوا).
ثم قال سبحانه: (ويوم نحشرهم جميعا) يعني يوم القيامة يجمع العابدين لغير الله، والمعبودين من الملائكة للحساب (ثم نقول للملائكة أهؤلاء) الكفار (إياكم كانوا يعبدون) أي: كانوا يعبدونكم ويقصدونكم بالعبادة، وعلى هذا وجه التقرير