دونهم) أي. دون هؤلاء الكفار، ودون كل أحد، وما كنا نرضى بعبادتهم إيانا مع علمنا بأنك ربنا وربهم. (بل كانوا يعبدون الجن) بطاعتهم إياهم فيما دعوهم إليه من عبادة الملائكة. وقيل: المراد بالجن إبليس، وذريته، وأعوانه (أكثرهم بهم مؤمنون) أي: مصدقون بالشياطين، مطيعون لهم.
ثم يقول الله سبحانه: (فاليوم) يعني في الآخرة (لا يملك بعضكم لبعض) يعني العابدين والمعبودين (نفعا ولا ضرا) أي: نفعا بالشفاعة، ولا ضرا بالتعذيب (ونقول للذين ظلموا) بان عبدوا غير الله (ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون) أي: لا تعترفون بها، وتجحدونها. ثم عاد سبحانه إلى الحكاية عن حال الكفار في الدنيا فقال. (وإذا تتلى عليهم آياتنا) أي: تقرأ عليهم حججنا (بينات) أي:
واضحات من القرآن الذي أنزلناه على نبينا. (قالوا) عند ذلك (ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم) أي: يمنعكم (عما كان يعبد آباؤكم) فزعوا إلى تقليد الآباء لما أعوزتهم الحجة (وقالوا ما هذا) القران (إلا إفك) أي: كذب (مفترى) قد تخرصه وافتراه.
(وقال الذين كفروا للحق) أي. للقرآن (لما جاءهم إن هذا) أي: ليس هذا (إلا سحر مبين) أي: ظاهر. ثم أخبر سبحانه أنهم لم يقولوا ذلك عن بينة، فقال:
(وما آتيناهم من كتب يدرسونها) أي: وما أعطينا مشركي قريش كتابا قط يدرسونه، فيعلمون بدرسه أن ما جئت به حق أو باطل، وإنما يكذبونك بهواهم من غير حجة (وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير) أي: رسول أمرهم بتكذيبك، وأخبرهم ببطلان قولك، يعني أنهم لا يرجعون في تكذيبك إلا إلى الجهل والعناد، واتباع الهوى.
ثم أخبر سبحانه عن عاقبة من كذب الرسل قبلهم تخويفا لهم، فقال: (وكذب الذين من قبلهم) بمن بعث إليهم من الرسل، وما آتاهم الله من الكتب (وما بلغوا معشار ما آتيناهم) أي: وما بلغ قومك يا محمد معشار ما أعطينا من قبلهم من القوة، وكثرة المال، وطول العمر، فأهلكهم الله، عن ابن عباس، وقتادة. (فكذبوا رسلي فكيف كان نكير) أي: عقوبتي وتغييري حالهم. وقيل: معناه أنظر في آثارهم كيف كان إنكاري عليهم بالهلاك، عن أبي مسلم، والمراد: إنا كما أهلكنا أولئك حين كذبوا رسلنا، فليحذر هؤلاء مثل ما نزل بهم من الهلاك والاستئصال.