وذلك أن الماء كان يأتي أرض سبأ، من أودية اليمن، وكان هناك جبلان يجتمع ماء المطر والسيول بينهما، فسدوا ما بين الجبلين، فإذا احتاجوا إلى الماء نقبوا السد بقدر الحاجة، فكانوا يسقون زروعهم وبساتينهم. فلما كذبوا رسلهم، وتركوا أمر الله، بعث الله جرذا نقبت ذلك الردم، وفاض الماء عليهم فأغرقهم، عن وهب.
وقد مر تفسير العرم. وقال ابن الأعرابي: العرم السيل الذي لا يطاق.
(وبدلناهم بجنتيهم) اللتين فيهما أنواع الفواكه، والخيرات (جنتين) أخراوين سماها جنتين لازدواج الكلام، كما قال (ومكروا ومكر الله)، (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه). (ذواتي أكل خمط وأثل) أي: صاحبتي أكل، وهو اسم لثمر كل شجرة، وثمر الخمط البرير. قال ابن عباس: والخمط هو الأراك. وقيل: هو شجر الغضا. وقيل: هو كل شجر له شوك. والأثل. الطرفاء، عن ابن عباس. وقيل:
ضرب من الخشب، عن قتادة. وقيل: هو السمر. (وشئ من سدر قليل) يعني:
إن الأثل والخمط، كانا أكثر فيهما من السدر وهو النبق. قال قتادة: كان شجرهم خير شجر، فصيره الله شر شجر بسوء أعمالهم (ذلك) أي: ما فعلنا بهم (جزيناهم بما كفروا) أي: بكفرهم.
(وهل نجازي) بهذا الجزاء (إلا الكفور) الذي يكفر نعم الله. وقد استدل الخوارج بهذا على أن مرتكب الكبيرة كافر. وهذا الاستدلال غير سديد من حيث إنه سبحانه، إنما بين بذلك أنه لا يجازي بهذا النوع من العذاب الذي هو الاستئصال إلا الكافر. ويجوز أن يعذب الفاسق بغير ذلك العذاب. وقيل: إن معناه هل نجازي بجميع سيئاته إلا الكافر، لأن المؤمن قد يكفر عنه بعض سيئاته. وقيل: إن المجازاة من التجازي، وهو التقاضي أي: لا يقتضي، ولا يرتجع ما أعطي إلا الكافر. وإنهم لما كفروا النعمة، اقتضوا ما أعطوا أي: ارتجع منهم، عن أبي مسلم.
(وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة) أي: وقد كان من قصتهم أنا جعلنا بينهم وبين قرى الشام التي باركنا فيها بالماء والشجر، قرى متواصلة. وكان متجرهم من أرض اليمن إلى الشام، وكانوا يبيتون بقرية، ويقيلون بأخرى، حتى يرجعوا. وكانوا لا يحتاجون إلى زاد من وادي سبأ إلى الشام. ومعنى الظاهرة: أن الثانية كان ترى من الأولى لقربها منها. (وقدرنا فيها السير) أي:
جعلنا السير من القرية إلى القرية مقدارا واحدا نصف يوم، وقلنا لهم (سيروا فيها)