هذه بلدة طيبة، والله رب غفور.
المعنى: ثم أخبر سبحانه عن قصة سبأ بما دل على حسن عاقبة الشكور، وسوء عاقبة الكفور، فقال: (لقد كان لسبأ) وهو أبو عرب اليمن كلها، وقد تسمى به القبيلة. وفي الحديث عن فروة بن مسيك أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن سبأ أرجل هو أم امرأة؟ فقال: (هو رجل من العرب، ولد له عشرة، تيامن منهم ستة، وتشاءم منهم أربعة. فاما الذين تيامنوا فالأزد، وكندة، ومذحج، والأشعرون، وأنمار، وحمير. فقال رجل من القوم: ما أنمار قال: الذين منهم خثعم، وبجيلة.
وأما الذين تشاءموا فعاملة، وجذام، ولخم، وغسان). فالمراد بسبأ ههنا القبيلة الذين هم أولاد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
(في مسكنهم) أي: في بلدهم (آية) أي: حجة على وحدانية الله، عز اسمه، وكمال قدرته، وعلامة على سبوغ نعمه. ثم فسر سبحانه الآية فقال:
(جنتان عن يمين وشمال) أي: بستانين عن يمين من أتاهما وشماله. وقيل: عن يمين البلد وشماله. وقيل. إنه لم يرد جنتين اثنتين، والمراد كانت ديارهم على وتيرة واحدة، إذ كانت البساتين عن يمينهم وشمالهم، متصلة بعضها ببعض، وكان من كثرة النعم أن المرأة كانت تمشي والمكتل على رأسها، فيمتلئ بالفواكه من غير أن تمس بيدها شيئا. وقيل: الآية المذكورة هي أنه لم يكن في قريتهم بعوضة، ولا ذباب، ولا برغوث، ولا عقرب، ولا حية. وكان الغريب إذا دخل بلدهم، وفي ثيابه قمل ودواب ماتت، عن ابن زيد. وقيل: إن المراد بالآية خروج الأزهار والثمار من الأشجار على اختلاف ألوانها وطعومها. وقيل: إنما كانت ثلاث عشرة قرية، في كل قرية نبي يدعوهم إلى الله سبحانه، يقولون لهم: (كلوا من رزق ربكم واشكروا له) أي: كلوا مما رزقكم الله في هذه الجنان، واشكروا له يزدكم من نعمه واستغفروه يغفر لكم.
(بلدة طيبة) أي هذه بلدة مخصبة نزهة، أرضها عذبة تخرج النبات، وليست بسبخة، وليس فيها شئ من الهوام المؤذية. قيل: أراد به صحة هواها، وعذوبة مائها، وسلامة تربتها، وأنه ليس فيها حر يؤذي في القيظ، ولا برد يؤذي في الشتاء.
(ورب غفور) أي: كثير المغفرة للذنوب (فأعرضوا) عن الحق، ولم يشكروا الله سبحانه، ولم يقبلوا من دعاهم إلى الله من أنبيائه. (فأرسلنا عليهم سيل العرم)