يعني: أما. والضنك: الضيق الصعب، يقال: منزل ضنك، وعيش ضنك، لا يثنى، ولا يجمع، ولا يؤنث، لأن أصله المصدر قال: (وإذا هم نزلوا بضنك فانزل ".
المعنى: ثم بين سبحانه تفصيل ما أجمله من قصة آدم عليه السلام فقال. (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس) قد مر تفسيره (أبى) أي: أمتنع من أن يسجد (فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك) حواء (فلا يخرجنكما من الجنة) أي: لا تطيعاه. والمعنى لا يكونن سببا لخروجكما من الجنة بغروره، ووساوسه.
(فتشقى) أي: فتقع في تعب العمل، وكذا الإكتساب، والنفقة على زوجتك ونفسك. ولذلك قال (فتشقى) ولم يقل فتشقيا. وقيل: لأن أمرهما في السبب واحد، فاستوى حكمهما لاستوائهما في السبب والعلة. وقيل: لتستقيم رؤوس الآي. قال سعيد بن جبير: أنزل على آدم ثور أحمر، فكان يحرث عليه، ويرشح العرق عن جبينه، وذلك هو الشقاوة.
(إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى) أي: في الجنة لسعة طعام الجنة، وثيابها. (وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) أي لا تعطش، ولا يصيبك حر الشمس، عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة، قالوا: ليس في الجنة شمس، وإنما فيها ضياء ونور، وظل ممدود. ويسأل ههنا فيقال: كيف جمع بين الجوع والعري، وبين الظمأ والضحى، والجوع من جنس الظمأ، والعري من جنس الضحى؟ وأجيب عن ذلك بجوابين أحدهما: أن الظمأ أكثر ما يكون من شدة الحر، والحر إنما يكون من الضحى، وهو الانكشاف للشمس. فجمع بينهما لاجتماعهما في المعنى. وكذلك الجوع والعري متشابهان، من حيث إن الجوع عري في الباطن من الغذاء، والعري للجسم في الظاهر والثاني. إن العرب تلف الكلامين بعضهما ببعض اتكالا على علم المخاطب، وأنه يرد كل واحد منهما إلى ما يشاكله، كما قال امرؤ القيس:
كأني لم أركب جوادا للذة، * ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال ولم أسبأ الزق الرزي، ولم أقل * لخيلي: كركرة بعد إجفال (1)