وكان حقه أن يقول كما قال عبد يغوث:
كأني لم أركب جوادا، ولم أقل * لخيلي: كري نفسي عن رجاليا ولم أسبأ الزق الروي، ولم أقل * لأيسار صدق: أظهروا ضوء ناريا وقد يؤول قول امرئ القيس على الجواب الأول. (فوسوس إليه الشيطان) قد تقدم بيانه (قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد) أي: على شجرة من أكل منها لم يمت (وملك لا يبلى) جديده ولا يفنى. وهذا كقوله (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة) الآية. (فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) هذا مفسر في سورة الأعراف (وعصى آدم ربه فغوى) معناه. خالف آدم ما أمره ربه به، فخاب من ثوابه. والمعصية: مخالفة الأمر سواء كان الأمر واجبا أو ندبا. قال الشاعر: " أمرتك أمرا جازما فعصيتني ". ولا يمتنع أن يسمى تارك النفل عاصيا، كما يسمى بذلك تارك الواجب. يقولون: فلان أمرته بكذا وكذا من الخير فعصاني وخالفني، وإن لم يكن ذلك واجبا. ولا شبهة أن لفظة (غوى) يحتمل الخيبة. قال الشاعر:
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره، * ومن يغو لا يعدم على الغي لائما (1) ويجوز أن يكون معناه: فخاب مما كان يطمع فيه بأكل الشجرة من الخلود.
(ثم اجتباه ربه) أي: اصطفاه الله تعالى، واختاره للرسالة (فتاب عليه وهدى) أي: قبل توبته وهداه إلى ذكره. وقيل: هداه للكلمات التي تلقاها منه (قال اهبطا منها جميعا) يعني آدم وحواء (بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى) قد فسرنا جميعها في سورة البقرة (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) أي: فلا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة. قال ابن عباس: ضمن الله سبحانه لمن قرأ القرآن، وعمل بما فيه، أن لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة. ثم قرأ هذه الآية.
(ومن أعرض عن ذكري) أي: ومن أعرض عن القرآن، وعن الدلائل التي أنزلها الله تعالى لعباده، وصدف عنها، ولم ينظر فيها (فإن له معيشة ضنكا) أي.
عيشا ضيقا، عن مجاهد وقتادة والجبائي. وهو أن يقتر الله عليه الرزق، عقوبة له