الذي يستحق العبادة (وسع كل شئ علما) أي: يعلم كل شئ علما تاما، وهي لفظة عجيبة في الفصاحة. وفي ذلك دلالة على أن المعدوم يسمى شيئا لكونه معلوما. ثم قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: (كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق) أي:
مثل ما قصصنا عليك يا محمد من نبأ موسى وقومه، نقص عليك من أخبار ما قد مضى وتقدم من الأمم والأمور (وقد أتيناك من لدنا ذكرا) يعني القرآن، لأن فيه ذكر كل ما يحتاج إليه من أمور الدين.
ثم أوعد سبحانه على الإعراض عنه، وترك الإيمان به فقال: (من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا) أي: حملا ثقيلا من الإثم يشق عليه حمله، لما فيه من العقوبة، كما يشق حمل الثقيل (خالدين فيه) أي: في عذاب ذلك الوزر وجزائه، وهو الخلود في النار (وساء لهم يوم القيامة حملا) تقديره ساء الحمل حملا، والحمل بمعنى المحمول أي: بئس الوزر هذا الوزر لهم يوم القيامة. قال الكلبي:
بئس ما حملوا على أنفسهم من المآثم كفرهم بالقرآن (يوم ينفخ في الصور) هو بدل من يوم القيامة وقد سبق معناه (ونحشر المجرمين يومئذ زرقا) قال ابن عباس: يريد بالمجرمين الذين اتخذوا مع الله إلها يحشرون زرق العيون، سود الوجوه. ومعنى الزرقة. الخضرة في سواد العيون كعين السنور. والمعنى في هذا تشويه الخلق.
وقيل: زرقا عميا ترى زرقا وهي عمي، عن الفراء. وقيل: عطاشا في مظهر عيونهم كالزرقة مثل قوله (ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا) عن الأزهري (يتخافتون بينهم) أي: يتسارون بينهم فيقول المجرمون بعضهم لبعض: (إن لبثتم إلا عشرا) أي: ما لبثتم إلا عشر ليال، عن ابن عباس وقتادة. يعني من النفخة الأولى إلى الثانية، وذلك أنه يكف عنهم العذاب فيما بين النفختين، وهو أربعون سنة. وقيل:
ما لبثتم في الدنيا. ينسون من شدة هول ذلك اليوم مدة لبثهم في الدنيا. وقيل: في القبر يذهب عنهم طول لبثهم في قبورهم، كأنهم كانوا نياما فانتبهوا. وقيل: إنهم يقللون لبثهم في الدنيا طول ما هم لابثون فيه من النار، عن الحسن.
ثم قال سبحانه: (نحن أعلم بما يقولون) أي: بما يتسارون بينهم (إذ يقول أمثلهم طريقة) أي: أصلحهم طريقة، وأوفرهم عقلا، وأصوبهم رأيا. وقيل:
أكثرهم سدادا عند نفسه (إن لبثتم إلا يوما) أي: ما لبثتم إلا يوما في الدنيا، وفي القبور. إنما قال ذلك لأن اليوم الواحد والعشرة إذا قوبلت بيوم القيامة، وما لهم من