يتقدم له فيها كون، كما قال سبحانه في الكفار (ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم).
ثم ابتدأ سبحانه كلاما آخر فقال: (قل) يا محمد (ربي أعلم من جاء بالهدى) الذي يستحق به الثواب (ومن هو في ضلال مبين) أي: ومن لم يجئ بالهدى، وضل عنه أي: لا يخفى عليه المؤمن والكافر، ومن هو على الهدى، ومن هو ضال عنه، وتأويله: قل ربي يعلم أني جئت بالهدى من عنده، وأنكم في ضلال، سينصرني عليكم. ثم ذكر نعمه فقال: (وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب) أي: وما كنت يا محمد ترجو فيما مضى، أو يوحي الله إليك، ويشرفك بإنزال القرآن عليك.
(إلا رحمة من ربك) قال الفراء: هذا من الاستثناء المنقطع، ومعناه: إلا أن ربك رحمك، وأنعم به عليك، وأراد بك الخير، كذلك ينعم عليك بردك إلى مكة، فاعرف هذه النعم. وقيل: معناه وما كنت ترجو أن تعلم كتب الأولين وقصصهم، تتلوها على أهل مكة، ولم تشهدها، ولم تحضرها بدلالة قوله (وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا) أي: إنك تتلو على أهل مكة قصص مدين وموسى، ولم تكن هناك ثاويا مقيما، وكذلك قوله (وما كنت بجانب الغربي) وأنت تتلو قصصهم وأمرهم، فهذه رحمة من ربك (فلا تكونن ظهيرا للكافرين) أي: معينا لهم. وفي هذه دلالة على وجوب معاداة أهل الباطل. وفي هذه الآية وما بعدها، وإن كان الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فالمراد غيره. وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقول:
القرآن كله إياك أعني واسمعي يا جارة.
(ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك) أي: ولا يمنعك هؤلاء الكفار عن اتباع آيات الله التي هي القرآن والدين بعد إذ نزلت إليك تعظيما لذكرك، وتفخيما لشأنك. (وادع إلى ربك) أي: إلى طاعة ربك الذي خلقك، وأنعم عليك، وإلى توحيده. (ولا تكونن من المشركين) أي: لا تمل إليهم، ولا ترض بطريقتهم، ولا توال أحدا منهم. (ولا تدع مع الله إلها آخر) أي. لا تعبد معه غيره، ولا تستدع حوائجك من جهة ما سواه. (لا إله إلا هو) أي: لا معبود إلا هو، وحده لا شريك له.
(كل شئ هالك إلا وجهه) أي: كل شئ فان بائد، إلا ذاته. وهذا كما يقال: هذا وجه الرأي، ووجه الطريق، وهذا معنى قول مجاهد. (إلا هو) وفي