المعنى: (تلك الدار الآخرة) يعني الجنة (نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض) أي: تجبرا وتكبرا على عباد الله، واستكبارا عن عبادة الله (ولا فسادا) أي: عملا بالمعاصي، عن ابن جريج، ومقاتل. وروى زاذان عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يمشي في الأسواق وحده، وهو دال يرشد الضال، ويعين الضعيف، ويمر بالبياع والبقال، فيفتح عليه القرآن، ويقرأ (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا) ويقول: نزلت هذه الآية في أهل العدل، والمواضع من الولاة وأهل القدرة من سائر الناس.
وروى أبو سلام الأعرج عن أمير المؤمنين عليه السلام أيضا قال: إن الرجل ليعجبه شراك نعله، فيدخل في هذه الآية: (تلك الدار الآخرة) الآية. يعني أن من تكبر على غيره بلباس يعجبه، فهو ممن يريد علوا في الأرض. قال الكلبي: يعني بقوله (فسادا) الدعاء إلى عبادة غير الله. وقال عكرمة: هو أخذ المال بغير حق.
(والعاقبة للمتقين) أي: والعاقبة الجميلة، المحمودة من الفوز بالثواب، للذين اتقوا الشرك والمعاصي. وقيل: معناه الجنة لمن اتقى عقاب الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه. (من جاء بالحسنة فله خير منها) مضى تفسيره) (ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون) أي: لا يزاد في عقابهم على قدر استحقاقهم، بخلاف الزيادة في الفضل على الثواب المستحق، فإنه يكون تفضلا، فهو مثل قوله (ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها).
(إن الذي فرض عليك القرآن) خطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمعنى: إن الذي أوجب عليك الامتثال بما تضمنه القرآن، وأنزله عليك (لرادك إلى معاد) أي: يردك إلى مكة، عن ابن عباس ومجاهد والجبائي. وعلى هذا فيكون في الآية دلالة على صحة النبوة، لأنه أخبر به من غير شرط، ولا استثناء، وجاء المخبر مطابقا للخبر.
قال القتيبي: معاد الرجل: بلده، لأنه يتصرف في البلاد، ثم يعود إليه. وقيل: إلى معاد: إلى الموت، عن ابن عباس في رواية أخرى وعن أبي سعيد الخدري قيل:
إلى المرجع يوم القيامة أي: يعيدك بعد الموت كما بدأك، عن الحسن والزهري وعكرمة وأبي مسلم. وقيل: إلى الجنة عن مجاهد وأبي صالح. فالمعنى: إنه مميتك، وباعثك، ومدخلك الجنة. والظاهر يقتضي أنه العود إلى مكة، لأن ظاهر العود يقتضي ابتداء، ثم عودا إليه، على أنه يجوز أن يقال: الجنة معاد، وإن لم