قال ابن عباس: لما قربت ولادة أم موسى، وكانت قابلة من النساء اللاتي وكلهن فرعون بحبالى بني إسرائيل، مصافية لأم موسى. فلما ضربها الطلق، أرسلت إليها، فجاءت فعالجتها. فلما ولد موسى، رأت نورا بين عينيه، فارتعش كل مفصل منها، ودخل حب موسى في قلبها. ثم قالت: يا هذه! ما جئت إليك إلا ومن ورائي قتل مولودك، ولكن وجدت لابنك هذا حبا وما وجدت حب شئ مثل حبه، فاحفظي ابنك، فإني أراه هو عدونا.
فلما خرجت من عندها القابلة، بصرتها العيون، فجاؤوا ليدخلوا على أم موسى، فقالت أخته: يا أماه! هذا الحرس بالباب. فلفت موسى في خرقة، فوضعته في تنور مسجور، فدخلوا فإذا التنور مسجور، ورأوا أم موسى لم يتغير لها لون، ولم يظهر لها لبن، فخرجوا من عندها. وانطلقت إلى الصبي، وقد جعل الله النار عليه بردا وسلاما. قال: ثم لما رأت إلحاح فرعون في الطلب، خافت على ابنها، فانطلقت إلى نجار من قوم فرعون، فاشترت منه تابوتا. فقال النجار: ما تصنعين بهذا التابوت؟ قالت: إن لي ابنا أخبأه في التابوت، وكرهت الكذب. فلما اشترت التابوت، وحملته، انطلق النجار إلى الذباحين ليخبرهم بأمر أم موسى، فلم يطق الكلام، فرجع وأخذ في النجر، فانطلق لسانه. فرجع ثانيا، فلما انتهى إليهم، اعتقل لسانه، هكذا ثلاث مرات، فعلم أن ذلك أمر إلهي.
(فالتقطه آل فرعون) أي: أصابوه، وأخذوه من غير طلب (ليكون لهم عدوا وحزنا) أي: ليكون لهم في عاقبة أمره كذلك، لا إنهم أخذوه لهذا، كما يقال لمن كسب مالا فأداه ذلك إلى الحتف والهلاك: إنما كسب فلان لحتفه، وهو لم يطلب المال للحتف. (إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين) أي: عاصين ربهم في أفعالهم.
وكانت القصة في ذلك: أن النيل جاء بالتابوت إلى موضع فيه فرعون وامرأته على شط النيل، فأمر فرعون فأتي به، وفتحت آسية بنت مزاحم بابه، فلما نظرت إليه، ألقى الله في قلبها محبة موسى، وكانت آسية بنت مزاحم امرأة من بني إسرائيل، استنكحها فرعون، وهي من خيار النساء، ومن بنات الأنبياء. وكانت أما للمؤمنين، ترحمهم، وتتصدق عليهم، ويدخلون عليها. فلما نظر فرعون إلى موسى، غاظه ذلك، وقال: كيف أخطأ هذا الغلام الذبح؟ قالت آسية وهي قاعدة