قيل لهم فأنتم لا تقولون بهذا الحديث لأنا قد رأيناكم تكرهون الصلاة بمكة في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها لغير الطواف لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الأوقات ولا تخرجون حكم مكة في ذلك من حكم سائر البلدان وأبا الدرداء فقد أخرج في الحديث الذي احتججتم به حكم مكة من حكم سائر البلدان سواها في المنع من الصلوات في ذلك وأخبر أن النهي لم يدخل حكمها فيه وأنه إنما أريد به ما سواها مع أنه قد خالف أبا الدرداء في ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال طاف عمر رضي الله عنه بالبيت بعد الصبح فلم يركع فلما صار بذي طوى وطلعت الشمس صلى ركعتين حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عبد القادر مثله فهذا عمر رضي الله عنه لم يركع حينئذ لأنه لم يكن عنده وقت صلاة وأخر ذلك إلى أن دخل عليه وقت الصلاة فصلى وهذا بحضرة سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره عليه منهم منكر ولو كان ذلك الوقت عنده وقت صلاة للطواف لصلى ولما أخر ذلك لأنه لا ينبغي لأحد طاف بالبيت أن لا يصلي حينئذ إلا من عذر وقد روي عن معاذ بن عفراء مثل ذلك وقد ذكرت ذلك فيما تقدم من هذا الكتاب وقد روي مثل ذلك أيضا عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا همام قال أنا نافع أن بن عمر رضي الله عنهما قدم مكة عند صلاة الصبح فطاف ولم يصل إلا بعدما طلعت الشمس والنظر يدل على ذلك أيضا لأنا قد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم الفطر ويوم النحر فكل قد أجمع أن ذلك في سائر البلدان سواء فالنظر على ذلك أن يكون ما نهى عنه من الصلوات في الأوقات التي نهى عن الصلوات فيها في سائر البلدان كلها على السواء فبطل بذلك قول من ذهب إلى إباحة الصلاة للطواف في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها ثم افترق الذين خالفوا أهل المقالة الأولى في ذلك على فرقتين فقالت فرقة منهم لا يصلي في شئ من هذه الخمسة الأوقات للطواف كما لا يصلي فيها للتطوع وممن قال ذلك أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى وقد وافقهم في ذلك ما روينا عن عمر رضي الله عنه ومعاذ بن عفراء وابن عمر رضي الله عنهما
(١٨٧)