صوت النبي صلى الله عليه وسلم وهذا من بركات صوته إذا سمعه المؤمن قوي سمعه واتسع مسلكه حتى صار يسمع الصوت من الأماكن البعيدة ويسمع الأصوات الخفية (ونحن في منازلنا) فيه دليل على أنهم لم يذهبوا لسماع الخطبة بل وقفوا في رحالهم وهم يسمعونها، ولعل هذا كان فيمن له عذر منعه عن الحضور لاستماعها وهو اللائق بحال الصحابة رضي الله عنهم (فطفق يعلمهم) هذا انتقال من التكلم إلى الغيبة وهو أسلوب من أساليب البلاغة مستحسن (حتى بلغ الجمار) يعني المكان الذي ترمى فيه الجمار، والجمار هي الحصى الصغار التي يرمي به الجمرات (فوضع إصبعيه السبابتين) زاد في نسخة لأبي داود. في أذنيه، وإنما فعل ذلك ليكون أجمع لصوته في إسماع خطبته ولهذا كان بلال يضع إصبعيه في صماخي أذنيه في الأذان وعلى هذا ففي الكلام تقديم وتأخير وتقديره فوضع إصبعيه السبابتين في أذنيه حتى بلغ الجمار (ثم قال) أي رمى.
وفي استعارة القول للفعل وهو كثير في السنة، والمراد أنه وضع إحدى السبابتين على الأخرى ليريهم أنه يريد حصى الخذف. قاله الشوكاني: وقال في موضع آخر: يحتمل أن يكون المراد بالقول القول النفسي كما قال تعالى: ((ويقولون في أنفسهم)) ويكون المراد به هنا النية للرمي. قال أبو حيان: وتراكيب القول الست تدل على معنى الخفة والسرعة فلهذا عبر هنا بالقول (بحصى الحذف) بالحاء المهملة والذال المعجمة، ويروي بالخاء والذال المعجمتين.
قال الشوكاني: والثاني هو الأصوب.
قال الجوهري في فصل الحاء المهملة: حذفته بالعصا أي رميته بها، وفي فصل الخاء المعجمة الخذف الحصى الرمي به بالأصابع وقال الأزهري: حصى الخذف صغار مثل النوى يرمى بها بين إصبعين. قال الشافعي: حصى الخذف أصغر من الأنملة طولا " وعرضا "، ومنهم من قال بقدر الباقلا. وقال النووي: بقدر النواة وكل هذه المقادير متقاربة لأن الخذف بالمعجمتين لا يكون إلا بالصغير (في مقدم المسجد) أي مسجد الخيف الذي بمنى، ولعل المراد بالمقدم الجهة (ثم نزل الناس) برفع الناس على أنه فاعل، وفي نسخة من سنن أبي داود، ثم نزل بتشديد الزاي كذا في النيل. قال المنذري: وأخرجه النسائي.