وقال الإمام الحافظ الخطابي في المعالم: معنى هذا الكلام أن العرب في الجاهلية كانت قد بدلت أشهر الحرام وقدمت وأخرت أوقاتها من أجل النسيء الذي كانوا يفعلونه وهو ما ذكر الله سبحانه في كتابه فقال: (إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما " ويحرمونه عاما ") الآية ومعنى النسيء تأخير رجب إلى شعبان والمحرم إلى صفر، وأصله مأخوذ من نسأت الشئ إذا أخرته، ومنه النسيئة في البيع، وكان من جملة ما يعتقدونه من الدين تعظيم هذه الأشهر الحرم وكانوا يتحرجون فيها عن القتال وسفك الدماء ويأمن بعضهم بعضا إلى أن تنصرم هذه الأشهر ويخرجوا إلى أشهر الحل، فكان أكثرهم يتمسكون بذلك فلا يستحلون القتال فيها، وكان قبائل منهم يستبيحونها فإذا قاتلوا في شهر حرام حرموا مكانه شهرا آخر من أشهر الحل فيقولون نسأنا الشهر، واستمر ذلك بهم حتى اختلط ذلك عليهم وخرج حسابه من أيديهم، فكانوا ربما يحجون في بعض السنين في شهر ويحجون من قابل في شهر غيره إلى كان العام الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصادف حجهم شهر الحج المشروع وهو ذو الحجة فوقف بعرفة اليوم التاسع منه، ثم خطبهم فأعلمهم أن أشهر الحج قد تناسخت باستدارة الزمان، وعاد الأمر إلى الأصل الذي وضع الله حساب الأشهر عليه يوم خلق السماوات والأرض، وأمرهم بالمحافظة عليه لئلا يتبدل أو يتغير فيما يستأنف من الأيام. فهذا تفسيره ومعناه انتهى كلامه (السنة اثنا عشر) جملة مستأنفة مبينة للجملة الأولى. قاله الطيبي (منها أربعة حرم) قال تعالى: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) أي بهتك حرمتها وارتكاب حرامها، والجمهور على أن حرمة المقاتلة فيها منسوخة، ويؤيد النسخ ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حاصر الطائف وغزا هوازن بحنين في شوال وذي القعدة (ثلاث) أي ليالي (متواليات) أي متتابعات اعتبر ابتداء الشهور من الليالي فحذفت التاء قاله الطيبي (ورجب مضر) إنما أضاف الشهر إلى مضر لأنها تشدد في تحريم رجب، وتحافظ على ذلك أشد من محافظة سائر العرب، فأضيف الشهر إليهم بهذا المعنى (الذي بين جمادى وشعبان) فقد يحتمل أن يكون ذلك على معنى توكيد البيان كما قال في أسنان الصدقة. فإذا لم يكن ابنة مخاض فابن لبون، ذكر ومعلوم أن ابن اللبون لا يكون إلا ذكرا " ويحتمل أن يكون إنما قال ذلك من أجل أنهم قد كانوا نسوا رجبا " وحولوه عن موضعه وسموا به بعض الشهور الأخر، فنحلوه اسمه، فبين لهم أن رجبا " هذا الشهر الذي بين جمادي وشعبان لا ما كانوا يسمونه رجبا " على حساب النسئ قاله الخطابي:
والحديث سكت عنه المنذري.