الملحدين طعنوا في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أهل الرواية والنقل من أئمة الحديث وقالوا لم يحج النبي صلى الله عليه وسلم بعد قيام الاسلام إلا حجة واحدة فكيف يجوز أن يكون تلك الحجة مفردا " وقارنا " ومتمتعا " وأفعال نسكها مختلفة وأحكامها غير متفقة وأسانيدها كلها عند أهل الرواية ونقلة الأخبار جياد صحاح، ثم قد وجد فيها هذا التناقض والاختلاف يريدون بذلك توهين الحديث وتصغير شأنه وضعف أمر حملته ورواته. قال المنذري: وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة.
(عن هشام) أي حماد بن زيد وحماد بن سلمة ووهيب كلهم عن هشام (موافين هلال ذي الحجة) أي مقارنين لاستهلاله وكان خروجهم قبله بخمس في ذي القعدة كما صرحت به في رواية عمرة التي ذكرها مسلم (لولا أني أهديت لأهللت بعمرة) أي خالصة لكن الهدي يمنع الإحلال قبل الحج كالقران والإفراد. هذا مما يحتج به من يقول بتفضيل التمتع ومثله قوله صلى الله عليه وسلم ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي)) ووجه الدلالة منهما أنه صلى الله عليه وسلم لا يتمنى إلا الأفضل. وفي هذه الرواية تصريح بأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متمتعا " (ارفضي عمرتك) قال الخطابي: اختلف الناس في معناه فقال بعضهم اتركيها وأخريها على القضاء، وقال الشافعي:
إنما أمرها أن تترك العمل للعمرة من الطواف والسعي لأنها تترك العمرة أصلا " وإنما أمرها أن تدخل الحج على العمرة فتكون قارنة.
قلت: وعلى هذا المذهب تكون عمرتها من التنعيم تطوعا " لا عن واجب ولكن أراد أن يطيب نفسها فأعمرها وكانت قد سألته ذلك. وقد روي ما يشبه هذا المعنى في حديث جابر.