حيث دعوا أولا إلى الإيمان فقط ثم دعوا إلى العمل ورتب عليه بالفاء وفيه بحث ذكره الحافظ في الفتح (صدقة) أي زكاة لأموالهم (تؤخذ من أغنيائهم) استدل به على أن الإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها إما بنفسه وإما بنائبه، فمن أمتنع منهم أخذت منه قهرا (في فقرائهم) أي المسلمين. واستدل به على أنه يكفي إخراج الزكاة في صنف واحد.
قال الخطابي: وقد يستدل به من لا يرى المديون زكاة إذا لم يفضل من الدين الذي عليه قدر نصاب لأنه ليس بغني إذا خرج ماله مستحقا لغرمائه. وفيه دليل على أن تدفع إلى جيرانها وأن لا تنقل من بلد إلى بلد آخر انتهى. وجوز البخاري والحنفية نقل الزكاة ومعهم أدلة صحيحة والله أعلم. (وكرائم أموالهم) منصوب بفعل مضمر لا يجوز إظهاره. والكرائم جمع كريمة أي نفيسة. وفيه دليل على أنه لا يجوز للمصدق أخذ خيار المال لأن الزكاة لمواساة الفقراء، فلا يناسب ذلك الإجحاف بالمالك إلا برضاه.
قال الطيبي: فيه دليل على أن تلف المال يسقط الزكاة ما لم يقصر في الأداء وقت الإمكان أي بعد الوجوب (واتق دعوة المظلوم) فيه تنبيه على المنع من جميع أنواع الظلم والنكتة في ذكره عقب المنع من أخذ كرائم الأموال الإشارة إلى أن أخذها ظلم (حجاب) أي ليس لها صارف يصرفها ولا مانع. والمراد مقبولة وإن كان عاصيا كما جاء في حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعا: دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه، وإسناده حسن.
وقد احتج به أنها تجب في مال المجنون والطفل الغني لعموم قوله من أغنيائهم قاله عياض، وفيه بحث. وفيه دليل على بعث السعاة وتوصية الإمام عامله فيما يحتاج إليه من الأحكام وقبول خبر الواحد ووجوب العمل به.
وقد استشكل عدم ذكر الصوم والحج في الحديث مع أن بعث معاذ كان في آخر الأمر كما تقدم، وأجاب ابن الصلاح بأن ذلك تقصير من بعض الرواة، وتعق بأنه يفضي إلى ارتفاع الوثوق بكثير من الأحاديث النبوية لاحتمال الزيادة والنقصان، وأجاب الكرماني بأن اهتمام الشارع بالصلاة والزكاة أكثر ولهذا كرر في القرآن، فمن ثم لم يذكر الصوم والحج في هذا الحديث مع أنهما من أركان الإسلام، كذا في فتح الباري ملخصا محررا. قال المنذري:
وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة.