التأويل للخازن لما بين يديه من مجاز الكلام، وذلك أن ما بين يديه فهو أمامه، فقيل لكل شئ تقدم على الشيء هو بين يديه لغاية ظهوره واشتهاره.
قال أبو بكر بن الأنباري: اليدان تستعملهما العرب في المجاز على معنى التقدمة، تقول هذه تكون في الفتن بين يدي الساعة، يريدون قبل أن تقوم الساعة، تشبيها وتمثيلا بما إذا كانت يدا الإنسان تتقدمانه. انتهى. قال في المدارك (ما بين أيدينا) أي له ما قدامنا. وقال في الجلالين (ما بين أيدينا) أي أمامنا. وهذا الحديث أخرجه أيضا الطبراني من طريق محمد بن إسحاق بلفظ " إن بلالا كان يؤذن على باب المسجد ". والحاصل أن بين يديه يستعمل لكل شئ يكون قدامه وأمامه، سواء كان قريبه أو بعيده. والمعنى أن بلالا كان يؤذن قدام النبي صلى الله عليه وسلم وأمامه إذا جلس النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة، لكن لا يؤذن قدامه عند المنبر متصلا به كما هو المتعارف الآن في أكثر بلاد الهند إلا ما عصمه الله تعالى، لأن هذا ليس موضع الأذان وتفوت منه فائدة الأذان، بل كان يؤذن (على باب المسجد) وهذا كالتفسير لما بين يدي، لأن بين يدي بمعنى قدام وأمام وهما ظرفان مبهمان، وقال في القاموس: قدام كزنار ضد الوراء والأمام نقيض الوراء، كقدام يكون اسما ظرفا. انتهى. وفسر المبهم من المكان بالجهات الست وهي أمام وخلف ويمين وشمال وفوق وتحت وما في معناه، فإن أمام زيد مثلا يتناول جميع ما يقابل وجهه إلى انقطاع الأرض فيكون مبهما. قاله الجامي في شرح الكافية.
وقال بعض محشيه: والمبهم هو الذي لا حد ولا نهاية له. انتهى.
فتعين أنه لا يراد بقوله بين يديه قدام النبي صلى الله عليه وسلم عند المنبر بل على باب المسجد، ويؤيده ما نقل حافظ المغرب أبو عمر بن عبد البر عن مالك ابن أنس الإمام أن الأذان بين يدي الإمام ليس من الأمر القديم. وقال الزرقاني في شرح المواهب: قال الشيخ خليل بن إسحاق في التوضيح شرح كتاب ابن الحاجب: واختلف النقل هل كان يؤذن بين يديه عليه الصلاة والسلام أو على المنار، الذي نقله أصحابنا أنه كان على المنار، نقله عبد الرحمن بن القاسم عن مالك في المجموعة كتاب له. ونقل ابن عبد البر في كافيه اسم كتاب له في الفقه عن مالك أن الأذان بين يدي الإمام ليس من الأمر القديم انتهى. وقال في المرقاة: نقل بعض المالكية عن ابن القاسم عن مالك أنه في زمنه صلى الله عليه وسلم لم يكن بين يديه بل على المنارة. انتهى. وقال الإمام ابن الحاج محمد المالكي في كتاب المدخل: إن السنة في أذان الجمعة إذا صعد الإمام على المنبر أن يكون المؤذن على المنار، كذلك كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وصدرا من خلافة عثمان رضي الله عنهم، وكان المؤذنون ثلاثة يؤذنون واحدا بعد واحد، ثم زاد عثمان بن