عفان أذانا آخر بالزوراء وأبقى الأذان الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنار والخطيب على المنبر إذ ذاك، ثم إنه لما أن تولى هشام بن عبد الملك أخذ الأذان الذي فعله عثمان بالزوراء وجعله على المنار، وكان المؤذن واحدا يؤذن عند الزوال، ثم نقل الأذان الذي كان على المنار حين صعود الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وصدرا من خلافة عثمان بين يديه وكانوا يؤذنون ثلاثة فجعلهم يؤذنون جماعة ويستريحون.
قال علماؤنا: وسنة النبي صلى الله عليه وسلم أولى أن تتبع، فقد بان أن فعل ذلك في المسجد بين يدي الخطيب بدعة، وأن أذانهم جماعة أيضا بدعة أخرى، فتمسك بعض الناس بهاتين البدعتين وهما مما أحدثه هشام بن عبد الملك ثم تطاول الأمر على ذلك حتى صار بين الناس كأنه سنة معمول بها انتهى كلامه.
وما قاله ابن الحاج حسن جدا غير أني لم أقف على نقل صريح أن المؤذنين كانوا ثلاثة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكلهم يؤذنون يوم الجمعة واحدا بعد واحد، بل سيجيء أنه لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مؤذن واحد بلال والله أعلم. ثم قال ابن الحاج فصل في النهي عن الأذان في المسجد، إن للأذان ثلاثة مواضع المنار وعلى سطح المسجد وعلى بابه، وإذا كان ذلك كذلك فيمنع من الأذان في جوف المسجد لوجوه، أحدها أنه لم يكن من فعل من مضى، الثاني أن الأذان إنما هو نداء للناس ليأتوا إلى المسجد ومن كان فيه فلا فائدة لندائه لأن ذلك تحصيل حاصل، ومن كان في بيته فإنه لا يسمعه من المسجد غالبا، وإذا كان الأذان في المسجد على هذه الصفة فلا فائدة له، وما ليس فيه فائدة تمنع. وقال في فصل موضع الأذان:
ومن السنة الماضية أن يؤذن المؤذن على المنار فإن تعذر ذلك فعلى سطح المسجد، فإن تعذر ذلك فعلى بابه. وكان المنار عند السلف بناء يبنونه على سطح المسجد انتهى.
فإن قلت: قال صاحب الهداية: وإذا صعد الإمام المنبر جلس وأذن المؤذنون بين يدي المنبر بذلك جرى التوارث ولم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا الأذان انتهى وقال العلامة العيني في البناية شرح الهداية في تفسير التوارث يعني هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة من بعده إلى يومنا هذا، ولفظ التوارث إنما يستعمل في أمر له خطر وشرف يقال توارث المجد كابرا عن كابر أي كبيرا عن كبير في القدر والشرف، وقيل هي حكاية العدل عن العدل انتهى.
قلت: هذه المذكورة عبارة الهداية وهكذا في عامة كتب الحنفية لا اختلاف بينهم.
ومعنى هذا الكلام أن الخطيب إذا جلس على المنبر أذن المؤذن أمام الخطيب ومستقبله عند