نوبا، والانتياب افتعال من النوبة، وفي رواية يتناوبون (من منازلهم) القريبة من المدينة (ومن العوالي) جمع عالية: مواضع وقرى شرقي المدينة وأدناها من المدينة على أربعة أميال أو ثلاثة وأبعدها ثمانية. قاله القسطلاني. وفي لسان العرب: والعوالي هي أماكن بأعلى أراضي المدينة وأدناها من المدينة على أربعة أميال وأبعدها من جهة نجد ثمانية. انتهى. وفي كتاب المراسيل لأبي داود قال مالك: العوالي على ثلاثة أميال من المدينة. وأخرج أبو داود في المراسيل من طريق أحمد بن عمرو بن السرح عن ابن وهب عن يونس بن يزيد الأيلي عن ابن شهاب قال " بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع أهل العوالي في مسجده يوم الجمعة " انتهى. قال القرطبي وصاحب التوضيح في حديث عائشة رد لقول الكوفيين إن الجمعة لا تجب على من كان خارج المصر، لأن عائشة أخبرت عنهم بفعل دائم أنهم كانوا يتناوبون الجمعة فدل على لزومها عليهم. انتهى.
فإن قلت: لو كان حضور أهل العوالي واجبا إلى المدينة ما تناوبوا ولكانوا يحضرون جميعا. قلت: ليس المراد من قولها ينتابون أن بعض أهل العوالي كانوا يأتون مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم يجمعون في منازلهم، بل المراد من كان حاضرا في منازلهم حضروا المدينة يوم الجمعة، لأن فيهم من يتفرق إلى حوائجه من سفر أو عمل ولم يصل إلى منزلة يوم الجمعة، ومنهم من كان من أصحاب الأعذار لا يستطيع الحضور إلى المدينة، فكيف يحضرون جميعا.
نعم لما وصلوا هؤلاء إلى منازلهم وزالت عنهم الأعذار كانوا يحضرون المسجد، ومنهم من كان حضر المدينة في الجمعة الأولى لعله غاب للعلة المذكورة في الجمعة الآخرة ولم يصل إلى المدينة.
والحاصل أن بعض هؤلاء يحضرون المدينة في الجمعة الأولى مثلا، ثم من هؤلاء الحاضرين من يغيب في الجمعة الأخرى، فصدقت عائشة رضي الله عنها في قولها أنهم كانوا ينتابون، فانتيابهم لأجل هذا لا لعدم المبالاة في حضور الصلاة، لأن في الرواية المذكورة عن الزهري " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع أهل العوالي في مسجده يوم الجمعة " وهذه الرواية مبينة للمراد.
والحديث فيه دليل على لزوم حضور المسجد الجامع لصلاة الجمعة لمن كان على مسافة ثلاثة أميال فما دونها ولا يحسن له التجميع في غيره، فمن جمع في غيره من غير عذر شرعي فقد خالف السنة وأثم لكن لا تبطل صلاته لأنه ما ورد فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء فيه وعيد وأما من كان على أكثر مسافة منها فيجوز له أن يجمع حيث شاء مع الجماعة.