قلنا كان يفعل ذلك عمدا لبيان الجواز أو بغير قصد للاستغراق في التدبر، وفيه حجة على من زعم أن الإسرار شرط لصحة الصلاة السرية. وقوله أحيانا يدل على تكرر ذلك منه انتهى.
قلت: الحديث لا يدل إلا على أنه صلى الله عليه وسلم كان يسر في السرية ويسمع بعض الآيات أحيانا فالاستدلال به على جواز الجهر مطلقا في السرية بعيد والله تعالى أعلم. (وكان يطول الركعة الأولى من الظهر) قال الشيخ تقي الدين كأن السبب في ذلك أن النشاط في الأولى يكون أكثر فناسب التخفيف في الثانية حذرا من الملل انتهى. ويأتي في الباب حكمة أخرى لتطويل الأولى. واستدل به على استحباب تطويل الأولى على الثانية، وجمع بينه وبين حديث سعد الآتي حيث قال: أمد في الأوليين أن المراد تطويلهما على الأخريين لا التسوية بينهما في الطول. وقال من استحب استواءهما إنما طالت الأولى بدعاء الافتتاح والتعوذ وأما في القراءة فهما سواء. ويدل عليه حديث أبي سعيد الآتي، فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر ثلاثين آية الحديث، وفي رواية لابن ماجة أن الذين حزروا ذلك كانوا ثلاثين من الصحابة.
وادعى ابن حبان أن الأولى إنما طالت على الثانية بالزيادة في الترتيل فيها مع استواء المقروء فيهما. وقد روى مسلم من حديث حفصة أنه صلى الله عليه وسلم كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها. ذكره الحافظ (وكذلك في الصبح) أي يقرأ في ركعتي الصبح ويطول الأولى ويقصر الثانية. قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة.
(ببعض هذا) أي هذا الحديث المذكور آنفا (وزاد) أي الحسن بن علي عن يزيد عن همام وأبان كليهما (في الأخريين بفاتحة الكتاب) وروى مسلم هذه الزيادة من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن أبان وهمام. قال النووي في شرح صحيح مسلم: في هذه الأحاديث كلها دليل على أنه لا بد من قراءة الفاتحة في جميع الركعات. ولم يوجب أبو حنيفة رضي الله عنه في الأخريين القراءة بل خيره بين القراءة والتسبيح والسكوت والجمهور على وجوب القراءة وهو الصواب الموافق للسنن الصحيحة. انتهى (وزاد) أي الحسن بن علي عن يزيد بن هارون (عن همام) وحده (وكان يطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الثانية)