بالصلاة إنما فعلها فيها وأمر بها فيها وهذا هو اللائق بحال المصلي فإنه مقبل على ربه يناجيه ما دام في الصلاة فإذا سلم منها انقطعت تلك المناجاة وزاد ذلك الموقف بين يديه والقرب منه فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته والقرب منه وا قبال عليه ثم يسأل إذا انصرف عنه ولا ريب أن عكس هذا الحال هو الأولى بالمصلى إلا أن ههنا نكتة لطيفة وهو أن المصلي إذا فرغ من صلاته وذكر الله وهلله وسبحه وحمده وكبره بالأذكار المشروعة عقيب الصلاة استحب له أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ويدعو ما شاء يكون دعاءه عقيب هذه العبادة الثانية لا لكونه دبر الصلاة فإن كل من ذكر الله وحمده وأثنى عليه وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم استجيب له الدعاء عقيب ذلك كما في حديث فضالة بن عبيد إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بما شاء قال الترمذي حديث صحيح انتهى كلام ابن القيم وتعقبه الحافظ بن حجر كما نقله القسطلاني في المواهب بقوله ما ادعاه من النفي مطلقا مردود فقد ثبت عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا معاذ والله إني لأحبك فلا تدع دبر كل صلاة أن نقول اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك أخرجه أبو داود النسائي وحديث زيد بن أرقم سمعته صلى الله عليه وسلم يدعو في دبر الصلاة اللهم ربنا ورب كل شئ أخرجه أبو داود والنسائي وحديث صهيب رفعه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلاة يقول اللهم أصلح لي ديني الحديث أخرجه النسائي وصححه ابن حبان وغير ذلك فإن قيل المراد بدبر الصلاة قرب اخرها وهو التشهد قلت قد ورد الأمر بالذكر دبر الصلاة والمراد به بعد السلام إجماعا فكذا هذا حتى يثبت ما يخالفه وقد أخرج الترمذي من حديث أبي أمامة قيل أي الدعاء أسمع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبات وأخرج الطبراني من رواية جعفر بن محمد الصادق قال الدعاء بعد المكتوبة أفضل من الدعاء بعد النافلة كفضل المكتوبة على النافلة وفهم كثير من الحنابلة أن مراد القيم نفي الدعاء بعد الصلاة مطلقا وليس كذلك فإن حاصل كلامه أنه نفاه بقيد استمرار المصلى القبلة وإيراده عقب السلام وأما إذا نفل بوجهه أو قدم الأذكار المشروعة فلا يمنع عنده الاتيان بالدعاء حينئذ انتهى كلامه قلت لا ريب في ثبوت الدعاء بعد الانصراف من الصلاة المكتوبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا وقد ذكره الحافظ بن القيم أيضا في زاد المعاد حيث قال في فصل ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعد انصرافه من الصلاة ما لفظه وقد ذكر أبو حاتم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند
(١٦٩)