قال النووي لعل ابن أبي أوفى أراد لم يوص بثلث ماله لأنه لم يترك بعده مال وأما الأرض فقد سبلها في حياته وأما السلاح والبغلة ونحو ذلك فقد أخبر بأنها لا تورث عنه بل جميع ما يخلفه صدقة فلم يبق بعد ذلك ما يوصي به من الجهة المالية وأما الوصايا بغير ذلك فلم يرد ابن أبي أوفى نفيها ويحتمل أن يكون المنفي وصيته إلى علي بالخلافة كما وقع التصريح به في حديث عائشة الذي بعده ويؤيده ما وقع في رواية الدارمي عن محمد بن يوسف شيخ البخاري فيه وكذلك عند بن ماجة وأبي عوانة في آخر حديث الباب قال طلحة فقال هزيل بن شرحبيل أبو بكر كان يتأمر على وصي رسول الله ود أبو بكر أنه كان وجد عهدا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فخزم أنفه بخزام وهزيل هذا بالزاي مصغر أحد كبار التابعين ومن ثقات أهل الكوفة فدل هذا على أنه كان في الحديث قرينة تشعر بتخصيص السؤال بالوصية بالخلافة ونحو ذلك لا مطلق الوصية (قلت) أخرج ابن حبان الحديث من طريق بن عيينة عن مالك بن مغول بلفظ يزيل الاشكال فقال سئل ابن أبي أوفى هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما ترك شيئا يوصي فيه قيل فكيف أمر الناس بالوصية ولم يوص قال أوصى بكتاب الله وقال القرطبي استبعاد طلحة واضح لأنه أطلق فلو أراد شيئا بعينه لخصه به فاعترضه بأن الله كتب على المسلمين الوصية وأمروا بها فكيف لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم فأجابه بما يدل على أنه أطلق في موضع التقييد قال وهذا يشعر بأن ابن أبي أوفى وطلحة بن مصرف كانا يعتقدان أن الوصية واجبة كذا قال وقول ابن أبي أوفى أوصى بكتاب الله أي بالتمسك به والعمل بمقتضاه ولعله أشار لقوله صلى الله عليه وسلم تركت فيكم ما أن تمسكتم به لم تضلوا كتاب الله وأما ما صح في مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم أوصى عند موته بثلاث لا يبقين بجزيرة العرب دينان وفي لفظ أخرجوا اليهود من جزيرة العرب وقوله أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم به ولم يذكر الراوي الثالثة وكذا ما ثبت في النسائي أنه صلى الله عليه وسلم كان آخر ما تكلم به الصلاة وما ملكت أيمانكم وغير ذلك من الأحاديث التي يمكن حصرها بالتتبع فالظاهر أن ابن أبي أوفى لم يرد نفيه ولعله اقتصر على الوصية بكتاب الله لكونه أعظم وأهم ولان فيه تبيان كل شئ أما بطريق النص وأما بطريق الاستنباط فإذا أتبع الناس ما في الكتاب عملوا بكل ما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم به لقوله تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه الآية أو يكون لم يحضر شيئا من الوصايا المذكورة أو لم يستحضرها حال قوله والأولى أنه إنما أراد بالنفي الوصية بالخلافة أو بالمال وساغ إطلاق النفي أما في الأول فبقرينة الحال وأما في الثاني فلانه المتبادر عرفا وقد صح عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم لم يوص أخرجه بن أبي شيبة من طريق أرقم بن شرحبيل عنه مع أن بن عباس هو الذي روى حديث أنه صلى الله عليه وسلم أوصى بثلاث والجمع بينهما على ما تقدم وقال الكرماني قوله أوصى بكتاب الله الباء زائدة أي أمر بذلك وأطلق الوصية على سبيل المشاكلة فلا منافاة بين النفي والاثبات (قلت) ولا يخفى بعد ما قال وتكلفه ثم قال أو المنفي الوصية بالمال أو الإمامة والمثبت الوصية بكتاب الله أي بما في كتاب الله أن يعمل به انتهى وهذا الأخير هو المعتمد الحديث الرابع (قوله حدثنا عمرو بن زرارة) هو النيسابوري وهو بفتح العين وزرارة بضم الزاي وأما عمر بن زرارة بضم العين فهو بغدادي ولم يخرج عنه البخاري شيئا ووقع في رواية أبي علي بن السكن بدل عمرو بن زرارة في هذا الحديث إسماعيل بن زرارة يعني الرقي
(٢٦٨)