الفوت لان الانسان لا يدري متى يفجؤه الموت لأنه ما من سن يفرض الا وقد مات فيه جمع جم وكل واحد بعينه جائز أن يموت في الحال فينبغي أن يكون متأهبا لذلك فيكتب وصيته ويجمع فيها ما يحصل له به الاجر ويحبط عنه الوزر من حقوق الله وحقوق عباده والله المستعان واستدل بقوله له شئ أو له مال على صحة الوصية بالمنافع وهو قول الجمهور ومنعه بن أبي ليلى وابن شبرمة وداود وأتباعه واختاره بن عبد البر وفي الحديث الحض على الوصية ومطلقها يتناول الصحيح لكن السلف خصوها بالمريض وإنما لم يقيد به في الخبر لاطراد العادة به وقوله مكتوبة أعم من أن تكون بخطه أو بغير خطه ويستفاد منه أن الأشياء المهمة ينبغي أن تضبط بالكتابة لأنها أثبت من الضبط بالحفظ لأنه يخون غالبا * الحديث الثاني (قوله حدثنا إبراهيم بن الحرث) هو بغدادي سكن نيسابور وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وشيخه يحيى بن أبي بكير بالتصغير وأداءة الكنية هو الكرماني وليس هو يحيى بن بكير المصري صاحب الليث وأبو إسحاق هو السبيعي وعمرو بن الحارث هو الخزاعي المصطلقي أخو جويرية بالجيم والتصغير أم المؤمنين ووقع التصريح بسماع أبي إسحاق له من عمرو بن الحارث في الخمس من هذا الكتاب (قوله ولا عبدا ولا أمة) أي في الرق وفيه دلالة على أن من ذكر من رقيق النبي صلى الله عليه وسلم في جميع الأخبار كان إما مات وإما أعتقه واستدل به على عتق أم الولد بناء على أن مارية والدة إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأما على قول من قال إنها ماتت في حياته صلى الله عليه وسلم فلا حجة فيه (قوله ولا شيئا) في رواية الكشميهني ولا شاة والأول أصح وهي رواية الإسماعيلي أيضا من طريق زهير نعم روى مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم من طريق مسروق عن عائشة قالت ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم درهما ولا دينارا ولا شاة ولا بعيرا ولا أوصى بشئ (قوله الا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا جعلها صدقة) سيأتي ذكر البغلة والسلاح في آخر المغازي وأما الصدقة ففي رواية أبي الأحوص عن أبي إسحق في أواخر المغازي وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة قال بن المنير أحاديث الباب مطابقة للترجمة الا حديث عمرو بن الحارث هذا فليس فيه للوصية ذكر قال لكن الصدقة المذكورة يحتمل أن تكون قبله ويحتمل أن تكون موصى بها فتطابق الترجمة من هذه الحيثية انتهى ويظهر أن المطابقة تحصل على الاحتمالين لأنه تصدق بمنفعة الأرض فصار حكمها حكم الوقف وهو في هذه الصورة في معنى الوصية لبقائها بعد الموت ولعل البخاري قصد ما وقع في حديث عائشة الذي هو شبيه حديث عمرو بن الحارث وهو نفى كونه صلى الله عليه وسلم أوصى * الحديث الثالث حديث عبد الله بن أبي أوفى وإسناده كله كوفيون وقوله حدثنا مالك هو بن مغول ظاهره أن شيخ البخاري لم ينسبه فلذلك قال البخاري هو بن مغول وهو بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الواو وذكر الترمذي أن مالك بن مغول تفرد به (قوله هل كان النبي صلى الله عليه وسلم أوصى فقال لا) هكذا أطلق الجواب وكأنه فهم أن السؤال وقع عن وصية خاصة فلذلك ساغ نفيها لا أنه أراد نفى الوصية مطلقا لأنه أثبت بعد ذلك أنه أوصى بكتاب الله (قوله أو أمروا بالوصية) شك من الراوي هل قال كيف كتب على المسلمين الوصية أو قال كيف أمروا بها زاد المصنف في فضائل القرآن ولم يوص وبذلك يتم الاعتراض أي كيف يؤمر المسلمون بشئ ولا يفعله النبي صلى الله عليه وسلم
(٢٦٧)