سليمان كافرا ساحرا ماهرا، بسحره ملك ما ملك وقدر ما قدر فرد الله عز وجل عليهم فقال: (وما كفر سليمان) ولا استعمل السحر كما قال هؤلاء الكافرون ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر الذي نسبوه إلى سليمان وإلى (ما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت) وكان بعد نوح عليه السلام قد كثر السحرة والمموهون، فبعث الله عز وجل ملكين إلى نبي ذلك الزمان بذكر ما تسحر به السحرة وذكر ما يبطل به سحرهم ويرد به كيدهم فتلقاه النبي عليه السلام عن الملكين وأداه إلى عباد الله بأمر الله عز وجل فأمرهم أن يقفوا على السحر وأن يبطلوه ونهاهم أن يسحروا به الناس وهذا كما يدل على اسم ما هو وعلى ما يدفع به غائلة السم ثم قال عز وجل: (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) يعنى أن ذلك النبي عليه السلام أمر الملكين أن يظهرا للناس بصورة بشرين ويعلماهم ما علمهما الله من ذلك، فقال الله عز وجل: (وما يعلمان من أحد) ذلك السحر وإبطاله (حتى يقولا) للمتعلم (إنما نحن فتنة) وامتحان للعباد ليطيعوا الله عز وجل فيما يتعلمون من هذا ويبطلوا به كيد السحرة ولا يسحروهم (فلا تكفر) باستعمال هذا السحر وطلب الإضرار به ودعاء الناس إلى أن يعتقدوا انك به تحيي وتميت وتفعل ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل فان ذلك كفر.
قال الله عز وجل (فيتعلمون) يعني طالبي السحر (منهما) يعني مما كتبت الشياطين على ملك سليمان من النير نجات ومما (أنزل على الملكين ببابل هاروت و ماروت) يتعلمون من هذين الصنفين (ما يفرقون به بين المرء وزوجه) هذا ما يتعلم للإضرار بالناس يتعلمون التضريب بضروب الحيل والنمائم والايهام وأنه قد دفن في موضع كذا وعمل كذا ليحبب المرأة إلى الرجل والرجل إلى المرأة ويؤدي إلى الفراق بينهما، فقال عز وجل (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) أي ما المتعلمون لذلك بضارين به من أحد إلا بإذن الله يعنى بتخلية الله وعمله فإنه لو شاء لمنعهم بالجبر والقهر.
ثم قال: (ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم) لأنهم إذا تعلموا ذلك السحر