في هودجها فشدوه إلى بعيره، فقد كانت عائشة صغيرة خفيفة جدا حتى أنه ما كان أحد ليلحظ وجودها في الهودج من غيابها، فلما تحرك الركب، انطلق الرجال وهم يقودون بعيرا غير محمل.
وقفت عائشة لحظة تحدق في فضاء الصحراء العريض، وقد انسحب الفجر ليفسح لحرارة الصباح، وكانت الشمس ترسل أشعتها الحامية إلى الفضاء الصخري، فلم تجد أثرا لقومها أو قافلتها، فهزت منكبيها وجلست، فما كان يجدي الذعر، وما كان هناك من فائدة في محاولتها اللحاق بقافلتها، وإنه لمن الأفضل أن تبقى في المكان الذي رؤيت فيه آخر مرة. وإنها لتأمل أن يعود القوم إليها إذ اما افتقدوها فلم يجدوها في الهودج. فلما ارتفعت حرارة النهار استولى عليها خمول، فالتفت في جلبابها، واستظلت تحت شجرة ثم نامت، فلما استيقظت كانت الشمس مرتفعة في السماء ولم تكن وحيدة.
كان ينظر إليها من فوق هجين مرتفع شاب وسيم، ففركت عائشة عينيها، فابتسم الشاب، ثم أناخ بعيره وقال إنه صفوان بن المعطل، ولم تقدم عائشة نفسها له، تبعا لما قالته عائشة لما روت القصة، وكان صفوان يعرفها بالنظر فقد خاطبها بعائشة بنت أبي بكر.
سألها صفوان: ما تفعله بجلوسها منفردة في وسط صحراء العرب؟
فشرحت له عائشة الأمر، فضحك صفوان ثم عرض عليها بعيره ليقودها إلى المدينة، فقبلت عائشة، فساعدها صفوان على الركوب ثم انطلقا.
وفي نفس الوقت استمرت قافلة المسلمين في طريقها دون أن يفطن أحد إلى أن عائشة ليست فيها، ولم يكتشف اختفاؤها قبل أن يناخ الجمل بالهودج الفارغ أمام مساكن النبي، ثم ابتدأت الدهشة.
إن قواد الجمل الذين كانوا مقتنعين بأنهم رحلوا من المعسكر بعائشة قد